باب القول في حد الزنا
  من الإيجاب والقبول لا حكم له، وأن وجودهما كعدمهما، فكان سبيله سبيل من وطئها بغير عقد في وجوب الحد عليه؛ لأنه لم يجر بينهما عقد له حكم، فأشبه أن يجري هذا العقد بين الذكرين أو بين الأنثيين؛ لأنه عقد مجمع على أنه لا يقع، فوجب ألا يكون له حكم في درء الحد عنه. وأيضاً يدل على ذلك قول الله ø: {اَ۬لزَّانِيَةُ وَالزَّانِے}[النور: ٢] وقوله ÷: «خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر يجلد وينفى، والثيب بالثيب يجلد ويرجم» فأجمعوا أن قوله: «خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا» أراد به السبيل الذي قال الله ø: {وَالَّٰتِے يَأْتِينَ اَ۬لْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةٗ مِّنكُمْۖ} ... إلى قوله: {سَبِيلاٗۖ ١٥}[النساء] فجعل ذلك ÷ حكم من أتى الفاحشة، وقد سمى الله نكاح ذات المحرم فاحشة بقوله: {وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ اَ۬لنِّسَآ۟ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ}[النساء: ٢٢] فبين أن وطأهن فاحشة على كل حال، فوجب أن يثبت به الحد.
  فإن قيل: استدلالكم بالآية لا يصح؛ لأنا لا نسلم أنه يسمى زنى؛ لأن العرب لم تكن تعرفه بالزنا.
  قيل له: العرب كانت تسمي بالزنا(١) كل وطء جرى بين الرجل والمرأة من غير أمر يبيحه في الأصل، فإذا علمنا أن هذا الوطء جرى وليس هناك أمر يبيحه في الأصل علمنا أنه زنا، فإن غلطوا هم في بعض الأمور فاعتقدوا أنها مبيحة فالخلاف بيننا وبينهم يكون في المعنى لا في الاسم، ومثال هذا أنهم سموا الأصنام آلهة حين اعتقدوا أن الإله(٢) اسم لمن يستحق العبادة فكانوا مصيبين، ثم لما اعتقدوا أن الأصنام تستحق العبادة فأخطئوا في هذا الاعتقاد الثاني
(١) في (أ، ب، ج، د): الزنا.
(٢) في (ب، د، هـ): الآلهة.