شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الحدود

صفحة 208 - الجزء 5

  قيل له: معناه من أقام على ذلك، فأما من رجع فليس هو في تلك الحال مبدياً صفحته.

  فإن قيل: فقد قال ÷ لأنيس: «فإن اعترفت فارجمها».

  قيل له: معناه إن أقامت على الاعتراف، كما تقول: إن أقام البينة فاحكم له، معناه إن ثبت الشهود على الشهادة، ألا ترى أنه لو رجمها وقد رجعت عن الاعتراف يكون قد رجمها وهي غير معترفة؟

  فإن قيل: فقد قال النبي ÷: «فما بلغني من حد وجب».

  قيل له: لا نختلف في الوجوب، وإنما اختلفنا في السقوط إذا رجع عن الإقرار، ألا ترى أنه قد يجب بالشهادة ثم يسقط برجوع الشهود؟ قال الجصاص: روي عن علي # أنه أمر بضرب عبد أقر عنده بالزنا، وقال للضارب: اضربه حتى يقول: أمسك⁣(⁣١). ولا يحتمل ذلك إلا معنى الرجوع عن الإقرار.

  وأيضاً هو معنى يثبت به وجوب حد الزنا، فيجب أن يسقطه الرجوع كالشهادة. على أن الحدود مبنية على التسهيل، وعلى أنها تدرأ بالشبهات، وعلى أنه يستحب للإمام طلب وجه موصل إلى إسقاطها، فخالف في ذلك القصاص وحد القاذف وحقوق الأموال؛ لأن هذه الأشياء من حقوق بني آدم، فكان ذلك شاهداً لما ذهبنا إليه ومؤكداً له.

  قال: وإن أقام على اعترافه أقام عليه حد مثله.

  وذلك مما لا خلاف فيه؛ لأن إقراره جائز عليه، وإنما الخلاف في الرجوع عنه، ولأن النبي ÷ رجم من أقام على إقراره وقطع، وكذا فعل أمير المؤمنين.


(١) شرح مختصر الطحاوي (٦/ ١٨٨) وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٨/ ٤٢٣).