باب القول في الشهادة على الزنا
  عنده بالزنا: (لعلك اغتصبت، لعل زوجك من عدونا)(١) فكان ذلك كله تلقين الرجوع، فلولا أن رجوع المقر كان صحيحاً كان لا معنى لذلك. وروي في قصة ماعز بن مالك أنه لما أخذه حر الحجارة اشتد فهرب، فلقيه عبدالله بن أُنَيْس وقد أعجز أصحابه فرماه بلحي فقتله، فذكر ذلك للنبي ÷ فقال: «هلا تركتموه»(٢) وكذلك فيما رواه زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي $ في قصة المعترف بالزنا لما أمر برجمه فأخذه(٣) حر الحجارة [فر] فلقيه رجل بلحي جمل فقتله، فقال النبي ÷: «هلا تركتموه» ثم صلى عليه(٤).
  فلما منع نفسه مما بذله من القول(٥) قال ÷: «هلا تركتموه»، فإذا ثبت أن هربه يوجب تركه - مع احتمال ألا يكون الهرب للرجوع بل لأغراض كثيرة - كان الرجوع عن الإقرار بذلك أولى.
  فإن قيل: كيف يجوز أن يقول لهم النبي ÷ ذلك وهم لو تركوه لكانوا عصاة للنبي ÷ فيما أمرهم به.
  قيل له: لا يمتنع أن يكون النبي ÷ عرفهم أن الرجوع عن الإقرار يوجب سقوط الحد، فهلا اعتبروا أمر الهرب، وهلا ردوه إلى الرجوع، فتركه إلى أن يعود أولى إن ارتابوا به، فإن هذا القدر من الاجتهاد جائز في حال غيبتهم عن مشاهدة النبي ÷.
  فإن قيل: فقد قال النبي ÷: «من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه حد الله».
(١) أخرجه في أمالي أحمد بن عيسى (٤/ ٢٠٠) والبيهقي في السنن الكبرى (٨/ ٣٨٤).
(٢) أخرجه الترمذي (٣/ ٨٨) وابن ماجه (٢/ ٨٥٤) وأبو داود (٣/ ١٤٩).
(٣) في (أ، ج): لما أمر برجمه فر فأخذه.
(٤) مجموع الإمام زيد بن علي @ (٢٢٧).
(٥) لفظ شرح مختصر الطحاوي (٦/ ١٨٧): فلما منع نفسه مما بذلها له بدءاً.