باب القول في حد القاذف
باب القول في حد القاذف
  أيما رجل حر مسلم عاقل بالغ قذفه بالغ عاقل كان بالخيار بين العفو عن القاذف ورفعه إلى الإمام، فإن رفعه إلى الإمام وثبت عند الإمام قذفه بإقرار القاذف أو بينة المقذوف سأل الإمام القاذف عن(١) بينته بصحة ما قذفه، فإن أقام البينة أقيم على المقذوف حد مثله، ولم يجب على القاذف شيء، وإن لم يقم بينة ضربه الإمام ثمانين جلدة إن كان حراً، وإن كان عبداً ضربه أربعين جلدة(٢).
  الأصل في ذلك قول الله تعالى: {وَالذِينَ يَرْمُونَ اَ۬لْمُحْصَنَٰتِ} الآية [النور: ٤]، وهذه الجملة لا خلاف فيها بين المسلمين.
  وقلنا: إن المقذوف يجب أن يكون حراً مسلماً لأنه لا خلاف أحفظ في أن من قذف ذمياً أو عبداً فلا حد عليه. ويجب أن يكون عاقلاً عفيفاً في الظاهر عن الزنا؛ لأنه لا خلاف أن من قذف مجنوناً فهو في حكم من قذف صبياً في أنه لا حد عليه كذلك. ويجب أن يكون عفيفاً؛ لأن من ظهر عليه الزنا فلا خلاف أنه لا حد على قاذفه، وقد قال الله ø: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ}[النور: ٤] فبان أنه إن أقام البينة على صحة ما قذفه به لم يلزمه الحد، فثبت أنه لا بد من العفاف، فصار معنى الإحصان الذي يلزم به القاذف الحد(٣) أن يكون حراً مسلماً بالغاً عاقلاً عفيفاً عن الزنا، والقاذف يجب أن يكون بالغاً عاقلاً؛ لأن العقوبة لا تلزم إلا البالغ العاقل. فإن كان حراً جلد ثمانين جلدة كما نطق به ظاهر القرآن، وإن كان عبداً جلد أربعين جلدة؛ إذ الدلالة قد دلت على أن حد العبد على النصف من حد الحر فيما هو أعظم من القذف، وهو الزنا، فكذلك في
(١) «عن» ساقط من (ب، د).
(٢) الأحكام (٢/ ١٧٣).
(٣) في (هـ): الذي يلزم القاذف به الحد.