شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في حد القاذف

صفحة 211 - الجزء 5

  حد القذف، والمعنى أنه حد يمكن تنصيفه.

  ولا خلاف أن للمقذوف أن يعفو قبل رفعه إلى الإمام، وأنه ليس له ذلك بعد رفعه؛ لأنه ليس كالقصاص في أنه حق محض للآدمي.

مسألة: [في قبول شهادة القاذف إذا تاب]

  قال: ولا يجوز قبول شهادة القاذف بعد ما حد أو لزمه الحد إلا أن يتوب من قذفه⁣(⁣١).

  وذلك لقول الله ø: {وَلَا تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَٰدَةً أَبَداٗۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْفَٰسِقُونَ ٤ إِلَّا اَ۬لذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ}⁣[النور] وبه قال الشافعي، ولست أحفظ فيه خلافاً بين أهل البيت $. قال أبو حنيفة وأصحابه: لا تقبل شهادته أبداً تاب أو لم يتب. وظاهر الآية يدل على صحة ما ذهبنا إليه؛ لأن من حكم الاستثناء أن يعود إلى جميع الكلام إلا ما يخصه الدليل.

  فإن قيل: ما أنكرتم على من قال لكم: حكم الاستثناء أن يرجع إلى ما يليه؟

  قيل له: قد علمنا أن الاستثناء يصح رجوعه إلى جميع ما تقدم إخباره جملة، ألا ترى أن الاستثناء في آية المحاربين راجع إلى جميع ما تقدم؟ فإذا صح رجوعه إلى الجميع وجب ذلك ولم يجز تخصيصه بواحدة منه دون غيره إلا بالدلالة، ألا ترى أن الشرط يجب أن يرجع إلى جميع ما تقدم؛ لأن قائلاً لو قال: «عليَّ صدقة درهم وصيام يوم وإطعام مسكين إن دخلت الدار» كان ذلك راجعاً إلى الجميع؟ فكذلك الاستثناء؛ لأن صحة رجوع كل واحد منهما إلى الجميع على سواء.

  فإن قيل: قول الله تعالى: {وَلَا تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَٰدَةً أَبَداٗۖ}⁣[النور: ٤] يدل على ما قلناه، وإلا لم يكن لذكر التأبيد معنى؛ لأن المنع من قبول شهادتهم قد علم بقوله: {وَلَا تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَٰدَةً} فلا بد من أن يكون لذكر التأبيد فائدة أخرى.


(١) الأحكام (٢/ ١٧٣).