باب القول في حد القاذف
مسألة: [في أن قذف الرجل أباه أو ابنه يوجب عليه الحد]
  قال: وإذا قذف الرجل أباه أو ابنه لزمه الحد كما يلزمه لو قذف الأجنبي(١).
  أما إذا قذف أباه فلا خلاف في أنه يلزمه الحد.
  وأما إذا قذف الابن فقول أبي حنيفة: لا حد عليه، وبه قال كثير من العلماء، وقال القاسم ويحيى @ بإيجاب الحد فيه؛ لقول الله ø: {وَالذِينَ يَرْمُونَ اَ۬لْمُحْصَنَٰتِ}[النور: ٤] فعم ولم يخص. وليس يمكن أن يرد ذلك إلى القصاص؛ لأنه(٢) حق محض للابن يقوم فيه وارثه بعده، ألا ترى أنه يصح فيه العفو بعد رفعه(٣) إلى الإمام؟ والقذف حق لله ø وإن تعلق به حق الآدمي؛ لذلك لا يصح فيه العفو بعد المرافعة. ولا يصح رده إلى من سرق من مال ابنه؛ لأن القطع هاهنا درئ لشبهة الملك؛ لقوله ÷: «أنت ومالك لأبيك»، ألا ترى أنا ندرأ القطع عمن سرق من شريكه لشبهة الملك؟ وليس في قذف الابن شبهة، فلا يجب أن يدرأ عنه الحد.
  فإن قيل: أليس قال في المنتخب(٤): إن رجلاً لو قذف أم ابنه وهي ميتة إن الابن لا يطالب أباه بحدها؟ فكذلك لا يطالب بحد نفسه.
  قيل له: لأن هناك من يطالب به، وإن ترك الابن المطالبة يقوم غيره من أوليائها أو الإمام، والابن لا يجوز أن يطالب بحده غيره(٥) إذا ترك، فلم يجز للابن الإقدام على مطالبة أبيه بحدٍ غيره يجوز أن يقوم مقامه.
(١) الأحكام (٢/ ١٧٥) والمنتخب (٦٣١).
(٢) أي: القصاص.
(٣) في (ب، د): المرافعة.
(٤) المنتخب (٦٣٦).
(٥) «غيره» ساقط من (أ، ب، ج، د).