شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في حد السارق

صفحة 248 - الجزء 5

  قيل له: يحتمل أن يكون الراوي اختصر ولم يذكره بحد الإقرار، والأقرب أنهما حديث واحد فيهما أن رسول الله ÷ قال: «ما إخاله سرق» وأنه قال ÷ له: «تب إلى الله» فقال: أنا تائب إلى الله، وأنه ÷ دعا له بقبول التوبة، وعلى هذا يتأول ما روي أن رجلاً جاء إلى النبي ÷ فقال: يا رسول الله، إني سرقت جملاً لبني فلان، فأرسل إليهم رسول الله ÷ فقالوا: فقدنا جملاً لنا، فأمر به فقطعت يده⁣(⁣١).

  على أن هذا الخبر مما يؤكد مذهبنا؛ لأنه ÷ لم يقطعه بإقراره أول مرة. وليس يمكن للمخالف أن يقول: إنه انتظر دعوى من يدعيه؛ لأنه أمر به فقطع من غير دعوى كانت؛ لأن القوم ما زادوا على أن قالوا: فقدنا جملاً لنا، وذلك القدر ليس بدعوى.

  ويدل على ذلك أنه قد ثبت في الإقرار بالزنا أنه لا يوجب الحد حتى يتكرر أربع مرات، فيجب أن يكون الإقرار بالسرقة لا يوجب الحد حتى يتكرر مرتين، والعلة أن كل واحد من الحدين حق لله لا يتعلق به حق الآدميين، فوجب أن يكون عدة الإقرار به معتبراً بعدة الشهادة عليه. وليس يلزم عليه الردة؛ لأنه يرتد بنفس الإقرار؛ لأنه لو قال: إنه كافر بالله لكفر بهذا القول، وليس كذلك قوله: سرقت، أو زنيت؛ لأنه بالقول لا يصير زانياً ولا سارقاً، وإنما ينبئ هو عن فعل قد وقع هذا الإقرار عليه. وإن شئت زدت في العلة فقلت: والإقرار ليس سبباً له، وإنما هو دلالة عليه.

  فأما الإقرار بشرب الخمر فلا أحفظ فيه نصاً عن أصحابنا، لكن قياس قوله أنه لا يحد حتى يتكرر مرتين، وأما القذف فهو حق لله تعالى متعلق بالآدمي، فهو بالقصاص أشبه، وذكر أبو بكر الجصاص⁣(⁣٢) عن أبي الحسن الكرخي على


(١) أخرجه ابن ماجه (٢/ ٨٦٣) والطحاوي في شرح معاني الآثار (٣/ ١٦٨).

(٢) شرح مختصر الطحاوي (٦/ ٢٩٢).