باب القول فيمن يقتل حدا
  على أنا قد بينا أن ما لزمهم من القصاص والضمان قد سقط عنهم بما لزمهم من الحدود المغلظة، ثم أجمع الجميع أنهم إذا تابوا من قبل أن نقدر عليهم فقد سقطت عنهم الحدود، فثبت(١) أنه قد سقط عنهم جميع ما لزمهم بالمحاربة.
  ويدل على أن القصاص والضمان قد سقط عنهم وصارت الحدود بدلاً لها أن الإمام إذا ظفر به لم يكن لأولياء الدم الخيار بين الدية والعفو والقصاص، بل لم يكن لهم واحد منها(٢)، وأنهم إن اقتصوا(٣) قتلهم الإمام، وإن طلبوا الدية لم يجبهم إليها، فبان أن حكم القصاص قد سقط عنهم، وإذا سقط حكم القصاص وصار الحد مبدلاً منه فكذلك ضمان ما أخذوه؛ إذ لم يفرق أحدٌ بين الضمان والقصاص، فثبت ما ذهب إليه يحيى، وإذا ثبت ذلك صح ما قاله من أن أحداً لا يطالبه بشيء مما استهلكه؛ لأن ضمانه قد سقط عنه، وثبت أن قاتلاً لو قتله على سبيل القصاص استقاد له منه الإمام؛ لأنه قد حقن دمه وسقط عنه القصاص. قال الجصاص(٤): وروي عن الشعبي أن حارثة بن بدر حارب الله ورسوله، وسعى في الأرض بالفساد، ثم تاب من قبل أن يقدر عليه [فكتب علي ¥ إلى عامله بالبصرة: (أن حارثة بن بدر ممن حارب الله ورسوله ثم تاب من قبل أن يقدر عليه](٥) فلا(٦) تعرض له إلا بخير.
  قال أيده الله: هذا وجه ما قاله يحيى #، والذي أقول به ما رواه زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي $ أنهم إن تابوا قبل أن يؤخذوا ضمنوا الأموال
(١) في (ب، د، هـ): ثبت.
(٢) في (أ، ج): منهما.
(٣) في (أ، ب، ج، د): عفوا.
(٤) شرح مختصر الطحاوي (٦/ ٣٤٥، ٣٤٦).
(٥) ما بين المعقوفين من شرح مختصر الطحاوي.
(٦) في المخطوطات: فلم. والمثبت من شرح مختصر الطحاوي وشرح القاضي زيد.