شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول فيمن يقتل حدا

صفحة 298 - الجزء 5

  قال: وإن تاب المحارب بعد ما ظفر به الإمام أقيم عليه جميع ما ذكرنا من الحدود⁣(⁣١).

  وذلك لأن الله تعالى قال: {إِلَّا اَ۬لذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ}⁣[المائدة: ٣٤] فبين أن المسقط لتلك الحدود هو توبته قبل القدرة عليه، فمن لم يتب قبل القدرة عليه لزمته تلك الحدود بظاهر الآية، وكانت توبته فيما بينه وبين الله مقبولة إن أتى بها بعد القدرة عليه، وأقيمت الحدود عليه كما يقام الرجم على التائب، وكذلك القصاص.

مسألة: [فيمن انتقل من بعض ملل الكفر إلى بعضها]

  قال: ومن انتقل من بعض ملل الكفر إلى بعض لم يجب قتله، ووجب تعزيره، وأخذت منه الجزية كما أخذت على الملة الأولى.

  وذلك أن القتل إنما لزم للخروج عن الإيمان إلى الكفر، وهذا قد خرج من كفر إلى كفر، فلا وجه لقتله.

  فإن قيل: هلا قتلتموه لعموم قوله ÷: «من بدل دينه فاقتلوه».

  قيل له: لأن المراد به ما قلناه من الخروج عن الإيمان إلى الكفر، ألا ترى أنه لو خرج عن الكفر إلى الإيمان لم يجب قتله؟ فكذلك من خرج من كفر إلى كفر، والمعنى أنه لم يخرج عن الإيمان، فكل تبديل لا يكون خروجاً عن الإيمان لا يجب فيه القتل.

  على أنه لو استحق القتل لكان لا يخلو من أن يستحقه لخروجه عن الكفر أو لدخوله في الكفر ولم يكن معه خروج عن الإيمان، وقد ثبت أن الخروج عن الكفر لا يوجب القتل، ولا شبهة فيه، ولا يجوز أن يوجب القتل دخوله في الكفر إذا لم يكن معه خروج عن الإيمان؛ لأن ذلك لو أوجب القتل لأوجب


(١) الأحكام (٢/ ١٩٦) والمنتخب (٦٣٨).