كتاب الطهارة
  فدل هذا من سؤالهم على أنهم قد عرفوا أن الواو توجب الترتيب(١)، وكذلك جواب ابن عباس يدل على ذلك؛ ألا ترى أنه لو لم يكن عنده حكم الواو كما ذكرنا لكان الأولى أن يقول لهم: لا وجه لسؤالكم؛ لأن الواو لا تقتضي الترتيب؟
  وروي أيضاً عن ابن عباس أن رجلاً قال بين يديه: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فنهاه عن ذلك وقال: قال: ومن يعص الله ورسوله(٢).
  فلولا أن الواو توجب الترتيب لما كان لهذا الكلام معنى، فإذا ثبت ذلك ثبت ما ذهبنا إليه في الترتيب.
  فإن قيل: إن الواو لا توجب الترتيب عند أهل اللغة.
  قيل له: قد حكي عن قوم من أهل اللغة أنهم قالوا: إنها توجب الترتيب، على أنا لو سلمنا أنه من جهة اللغة لا يوجب الترتيب كان ما بيناه يوجب الترتيب شرعاً، والشرع أولى من اللغة، فصح ما ذهبنا إليه.
  ويدل على ذلك أيضاً: ما روي عن النبي ÷ أنه توضأ مرةً مرةً ثم قال: «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به» ثم توضأ مرتين مرتين ... الخبر.
  وقد ثبت أن التكرار في الثاني والثالث لم يقع إلا لما حصل في الأول، ولا خلاف أن وضوء رسول الله ÷ هو الوضوء المرتب، وإذا ثبت هذا ثبت أنه كان في الأول مرتباً حين قال ÷: «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به»، فثبت به وجوب الترتيب. وهذا بعينه يدل على أن ترتيب اليمنى على اليسرى واجب؛ لأن من المعلوم أن وضوء رسول الله ÷ كان يرتب فيه اليمنى على اليسرى.
  ونستدل من هذا الخبر من وجه آخر، وهو أنا نقول: إن النبي ÷ لما قال بعد ما توضأ: «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به» لا يخلو من أن يكون قال ذلك في وضوء مرتب على ما نذهب إليه، أو في وضوء غير مرتب أصلاً، أو في
(١) في (ب): أن الترتيب توجبه الواو.
(٢) هذا مروي عن رسول الله ÷ أخرجه مسلم (٢/ ٥٩٤) وأبو داود (٤/ ٤٥٢).