شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في القصاص

صفحة 410 - الجزء 5

  أما قتل الجماعة بواحدٍ فبه قال أبو حنيفة والشافعي وكثير من العلماء، وبه قال أحمد بن عيسى والقاسم. وعن الناصر: أن ولي الدم يقتل واحداً يختاره، ويأخذ من الباقين للمقتص منه قسطهم من الدية. وعن مالك: لا يقتلون.

  والدليل على صحة ما ذهبنا إليه قول الله ø: {۞مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَۖ كَتَبْنَا عَلَيٰ بَنِے إِسْرَآءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفْساَۢ بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٖ فِے اِ۬لْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ اَ۬لنَّاسَ جَمِيعاٗۖ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا اَ۬لنَّاسَ جَمِيعاٗۖ}⁣[المائدة: ٣٢] وقد علمنا أنه ليس المراد به في المآثم؛ لأن قاتل النفس الواحدة لا يجوز أن يكون إثمه مثل إثم⁣(⁣١) قاتل الجماعة، فلم يبق إلا أن يكون المراد به الحكم، فكان المراد به أن قتل الواحد كقتل الجماعة حكماً، فلما كان كذلك وكان جماعة لو قتلوا جماعة قتلوا بهم كذلك الجماعة لو قتلت واحداً قتلوا به. ويدل على ذلك قوله تعالى: {كَتَبْنَا} ومعناه: أوجبنا وحكمنا، فعلمنا أن المراد به الحكم. وعن النبي ÷: «من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين: إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا الدية»⁣(⁣٢) فعم ولم يخص، فوجب هذا الحكم فيمن قتل، واحداً كان القاتل أو جماعة.

  وروي عن عمر أنه قتل جماعة بواحدٍ وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به⁣(⁣٣)، وروي نحو ذلك عن علي #(⁣٤)، واشتهر ذلك، ولم يرو خلافه عن غيرهما إلا رواية عن ابن الزبير⁣(⁣٥)، وروي عنه خلاف ذلك أيضاً، فقد روي أن جماعة اجتمعوا على قتل واحد فأراد قتلهم به فمنعه معاوية، فدل ذلك على


(١) «إثم» ساقط من (ب، د).

(٢) أخرجه الدارقطني في السنن (٤/ ٨٦) والبيهقي في السنن الكبرى (٨/ ٩٣).

(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٥/ ٤٢٩) والدارقطني في السنن (٤/ ٢٧٩).

(٤) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٠٨/ ٧٤).

(٥) رواه عنه عبدالرزاق في المصنف (٩/ ٤٧٩).