كتاب الديات
  أن ما روي عن ابن الزبير من أنه لم ير قتل الجماعة بالواحد غير صحيح، وروى زيد بن علي عن علي $ أنه قال لشاهدين شهدا على آخر بالسرقة فقطعه، ثم رجعا وقالا: أخطأنا فقال #: (لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما به).
  فإن قيل: روي عن النبي ÷ أنه قال: «لا يقتل اثنان بواحد»(١).
  قيل له: يحتمل أن يكون المراد إذا لم يفعل أحدهما ما يستحق به القود؛ رداً على ما كانت العرب تفعله ويفعله الآن غيرهم من أهل الحمية الجاهلية فيمن قتل واحداً؛ لأن أولياء القتل ربما طلبوا قتله وقتل من صحبه وأعانه ولم يباشر القتل.
  ويدل على ذلك أن النفس لا تتبعض في الإتلاف، فوجب أن يقتل كل واحد منهم؛ لأنه قاتل نفسٍ؛ دليله لو انفرد.
  فإن قيل: القصاص هو المساواة والمماثلة، والنفس الواحدة غير مساوية للجماعة.
  قيل له: ليس معنى القصاص هو استيفاء مقادير أجزاء المقتول من القاتل؛ بدلالة أن الكبير مقتول بالصغير، وإنما هو إتلاف نفس القاتل بالمقتول، فيجب أن يتلف نفسه، ونكتة الباب أن كل واحدٍ منهم قاتلٌ تلك النفس؛ لأن النفس لا تتبعض في الإتلاف.
  فأما ما ذهب إليه الناصر فلا معنى له؛ لأنه أوجب قتل واحد منهم، ولا شك أن قتله واجبٌ بجنايته، فكيف يجوز أن يستحق القتل بجنايته ومن شاركه فيها لا يستحق؟ فصار قوله بعيداً فاسداً، ويقال له: إنه إذا جاز قتل واحدٍ منهم لقتله النفس فكذلك الباقون لقتل كل واحد منهم النفس.
  وأما إيجاب الديات في العامدين بعدد القاتلين فقد مضى القول فيه، ويمكن
(١) ذكره الجصاص في شرح مختصر الطحاوي (٥/ ٣٧٦) قال محققه: وما وجدت الحديث بهذا اللفظ.