شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في القصاص

صفحة 430 - الجزء 5

مسألة: [في القاتل يقتله غير ولي الدم بغير إذنه]

  قال: ولو أن رجلاً قتل رجلاً فجاء آخر فقتل القاتل بغير إذن ولي الدم كان ولي دم القتيل الثاني بالخيار: إن شاء قتل قاتله، وإن شاء أخذ الدية، فإن أخذ ديته ردها إلى أولياء القتيل الأول⁣(⁣١).

  وذلك أن القاتل الثاني قاتل عمد، فيجب أن يثبت حقه على ما مضى من أن فوات القصاص يوجب استقرار الدية، فإن كان المقتول الثاني خلف مالاً يفي بالدية حكم بالدية في ماله، وإن لم يكن له مالٌ واختار وليه قتل قاتله كان له ذلك، ولم يكن لولي القتيل الأول استيفاء ديته؛ لأنه يكون بمنزلة من قتل غيره عمداً ثم مات فقيراً قبل أن يقتص منه، فيبطل حق ولي المقتول الأول من الدية والقود جميعاً لتعذر استيفاء واحد منهما. فإن اختار ولي المقتول الثاني الدية حكم له بها، ووجب تسليمها إلى ولي القتيل الأول؛ لأن الدية إذا حصلت صارت بمنزلة ميراثٍ تركه، ألا ترى أنها تقسم على حسب المواريث؟

  فإن قيل: إذا لم يكن للقتيل الثاني وفاء بالدية فما أنكرتم ألا يكون لوليه قتل قاتله، بل يلزمه أخذ الدية ليوفي ديه القتيل الأول؟

  قيل له: لأنه مخير بين القود والدية، ولا يبطل حقه من الخيار لحق يلزم في مال قتيله؛ لأنه لا سبيل إلى إبطال حقه ليثبت حق غيره، ولأن حقه ثابتٌ في الخيار بين القود والدية، وحق القتيل الأول غير ثابت إلا أن يحصل المال، ولا⁣(⁣٢) نبطل حقاً ثابتاً بسبب حق غير ثابت، يكشف ذلك أن من باع داراً لها شفيع واشترط البائع لنفسه خياراً لا نبطل حقه⁣(⁣٣) الثابت من الخيار لنثبت حقاً لم يثبت بعد للشفيع، وهذا واضح، ونظائره كثيرة.


(١) المنتخب (٥٩٩).

(٢) في (هـ): فلا.

(٣) «حقه» ساقط من (ب، د، هـ).