باب القول فيما تجوز فيه الوصية وما لا تجوز
مسألة: [في وصية الذمي للمسلم والعكس]
  قال: ووصايا المسلمين لأهل الذمة جائزة، ووصايا أهل الذمة للمسلمين جائزة(١).
  وهذا مما لا أحفظ فيه خلافاً؛ لأن الوصية جهة يصح أن يتملك بها المسلمون بعضهم على بعض بإيجاب المالك الأول وقبول المالك الثاني كالبيع والهبة، فوجب أن يصح تملك المسلمين بها على أهل الذمة، وتملك أهل الذمة على المسلمين. ولأن الله تعالى قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اُ۬لْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً اِ۬لْوَصِيَّةُ لِلْوَٰلِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}[البقرة: ١٨٠] ولم يشترط أن يكون الوالدان والأقربون من المسلمين أو من أهل الذمة، وكذلك قوله: {مِنۢ بَعْدِ وَصِيَّةٖ يُوصِے بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النساء: ١٢] لم يفصل بين أن يكون الموصي مسلماً أو ذمياً، ولا بين أن يكون الموصى له مسلماً أو ذمياً، فصح ذلك.
مسألة: [في الوصية بأكثر من الثلث]
  قال: وللرجل أن يوصي في ماله إلى الثلث، وليس للورثة رده، فإن أوصى بأكثر من الثلث كان الأمر إلى الورثة: إن شاءوا أجازوا الزائد على الثلث، وإن شاءوا ردوه(٢).
  وهذا أيضاً مما لا خلاف فيه.
  والأصل فيه: حديث عامر بن سعد عن أبيه سعد بن مالك قال: مرضت فأتاني رسول الله ÷ يعودني، فقلت: يا رسول الله، إن لي مالاً كثيراً، وليس يرثني إلا ابنتي، فأوصي بمالي كله؟ وفي بعض الروايات بثلثي مالي؟ قال: «لا» قلت: فالشطر؟ قال: «لا» قلت: فالثلث؟ قال: «الثلث، والثلث كثير، إنك
(١) الأحكام (٢/ ٣٣٦).
(٢) الأحكام (٢/ ٢٧٢، ٣٣٥).