باب القول فيما تجوز فيه الوصية وما لا تجوز
  والأصل في ذلك: ما روى الجصاص في شرح [مختصر] الطحاوي عن عاصم عن زر عن علي # قال: قال النبي ÷: «ليس لقاتلٍ وصية»(١).
  وروى زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي # موقوفاً: (لا وصية لقاتل)(٢).
  فإن قيل: فهذا يوجب أن لا وصية للقاتل عمداً كان أو خطأ؛ لأنهما لم يفصلا.
  قيل له: قد علمنا أن ذلك جارٍ مجرى العقوبة للقاتل، وقد علمنا أن المخطئ لا عقوبة عليه، ولهذا قال أبو يوسف: إن الورثة لو أجازوها لم تجز.
  ويدل على أن قاتل العمد لا وصية له أنه لا إرث له، فوجب أن تكون الوصية كذلك، والعلة أنه مال يستحقه بالموت، فكل مال يستحقه بالموت فقتله المستحق عليه عمداً على وجه يأثم فيه يوجب سقوطه.
  على أن الإرث أوكد من الوصية؛ لدخوله في ملك الوارث بغير اختياره، والوصية لا تدخل في ملك الموصى له إلا باختياره أو اختيار من يقوم مقامه، فإذا سقط الأوكد بقتل العمد وجب سقوط ما هو دونه. وقد ثبت عندنا أن قاتل الخطأ لا يبطل حقه من الإرث، فكذلك حقه من الوصية.
  والأولى على قول يحيى # ألا يجوز وإن أجازه الورثة كما ذهب إليه أبو يوسف؛ لأنه مُنِع لا لحق الوارث، بل على سبيل العقوبة.
  وحكى الطحاوي في اختلاف الفقهاء(٣) عن مالك أنه قال: إذا كانت الجناية متقدمة على الوصية ومات من تلك الجناية فالوصية صحيحة للعامد والمخطئ في المال والدية إذا علم ذلك منه، وإذا كانت الوصية متقدمة ثم قتله الموصى له فالوصية
(١) شرح مختصر الطحاوي (٤/ ١٥٦) وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٦/ ٤٦٠).
(٢) مجموع الإمام زيد بن علي @ (٢٥٢).
(٣) مختصر اختلاف الفقهاء (٥/ ٢٠).