باب القول في الوصي وما يجوز له فعله
باب القول في الوصي وما يجوز له فعله
  لو(١) أن رجلاً أوصى إلى رجل بوصية فقبلها ثم أراد الخروج منها في حياة الموصي جاز له ذلك، وإن قبلها الوصي في حياته وأراد الخروج منها بعد وفاته لم يكن له ذلك، وكذلك إن أوصى إلى غائب فله ألا يقبلها حين تبلغه، فإن قبلها حين تبلغه وأراد الخروج بعد ذلك لم يكن له(٢).
  وتحصيل هذه الجملة: أن الوصي إذا قبل الوصية فليس له الخروج منها إلا في وجه الموصي؛ لهذا قال: إن الغائب لا يجوز خروجه منها إلا في وجهه، ولهذا قال: إن الموصي إذا مات لم يجز خروج الوصي من الوصية؛ لأنه لا يجوز خروجه منها إلا في وجهه، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وذهب الشافعي إلى أنه يجوز خروجه منها متى شاء على جميع الأحوال، في حال حياة الموصي وبعد موته، وفي وجهه ومع غيبته.
  فأما ما يدل على أنه لا يجوز خروجه منها بعد وفاته فهو أنه يتصرف فيها بحكم الولاية، فأشبه الأب والجد في أنه لا يصح منهما إخراج أنفسهما من الولاية، ويدل على ذلك المتكفل بالبدن والضامن للمال؛ لأن واحداً منهما لا يصح له الانفراد بإخراج نفسه مما دخل فيه، والعلة أنه لزمه حق للغير بدخوله فيه فلا يجوز له التفرد بإخراج نفسه منه، ألا ترى أنه لزمه حق الميت وحق الصغار من ولده؟ فوجب ألا يصح خروجه مع الغيبة منها لهذه العلة، وليس يصح الاعتراض على ذلك بالوكيل؛ لأن الوكيل لا يصح خروجه من الوكالة عندنا إلا بمحضر من الموكل، فالوكيل والوصي في هذا سواء.
  ويبين ما ذكرنا أولاً من أنه لما كان متصرفاً بالولاية ولم يكن هناك من تولى من جهته أنه لا سبيل له إلى أن يعزل نفسه، وحاله في ذلك حال الإمام أنه لما كان
(١) في (أ، ج): ولو.
(٢) الأحكام (٢/ ٣٣٥).