باب القول في الوصي وما يجوز له فعله
  على أني لا أمتنع أن يكون في رضا المسلمين ممن يتولى من جهة الظلمة ضرباً من الاحتياط، وأنه هو الأولى، والذي أختاره ليكون أبعد من الخلاف وأقرب إلى الوفاق في عدد الجماعة من المسلمين الذي يرضون به ويولونه أن يكونوا خمسة، فقد نص في الأحكام في أن أقل من يحضر حد الزنا خمسة: الإمام، والشهود الأربعة، وأحدهم يجلد، وتأول على ذلك قول الله ø: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ اَ۬لْمُؤْمِنِينَۖ ٢}[النور] وإليه ذهب أبو علي الجبائي في عدد الذين يعقدون الإمامة، وهو أكثر ما قيل فيه، وكان أبو علي يعتمد لذلك بيعة أبي بكر؛ لأنها وقعت يوم وقعت من خمسة، ويعتمد أيضاً أمر الشورى، وإذا(١) اختلف الناس في العدد، فمن قائل قال: إنها تنعقد بواحدٍ، وآخر قال: إنها تنعقد باثنين، وكان الخمسة أكثر ما قيل - كان ذلك مجمعاً عليه، فوجب أن يكون هو الصحيح؛ إذ هو مجمع عليه، وما دونه لا دليل عليه.
مسألة: [فيما يجوز للرفيق في السفر إذا مات صاحبه ولم يوص إليه]
  قال: وإذا خرج رجلان في السفر فمات أحدهما ولم يكن أوصى إلى الآخر جاز له أن يكفنه تكفيناً وسطاً، فإن أسرف في التكفين ضمن الزائد على الوسط(٢).
  ووجهه: أنه يحصل له ضربٌ من الولاية في تلك الحال، ألا ترى أنه يتعين عليه فرض دفنه وتكفينه؟ فأشبه الوصي؛ لأن فرض الدفن والتكفين متعينٌ عليه، ولأن الدفن إذا وجب عليه فرضه لم يلزمه ذلك من ماله، فإذا لم يلزمه ذلك في ماله ثبت أنه يلزمه في مال الميت. وإنما قال: الوسط لأنه الأصل في جميع ما جرى هذا المجرى، وقد قال ÷: «خير الأمور أوساطها(٣)» وقال في مهر المثل:
(١) في (هـ): وإذ.
(٢) المنتخب (٥٤٦).
(٣) في (هـ): أوسطها.