باب القول في أحكام الوصايا
  يوزن، فعليهم أن يعطوه [ذلك] من ماله إن كان ذلك في ماله، وإن لم يكن حصلوا، وباعوا ما احتاجوا إليه من ماله ليوفوه ذلك.
  وهذه الجملة مما لا خلاف فيها.
مسألة: [في مصرف ما أوصي به في أحسن وجوه البر]
  قال: ولو أن رجلاً أوصى بثلث ماله في أحسن وجوه البر وجب صرفه إلى الجهاد(١).
  وذلك أن معنى الأحسن في هذا الموضع هو الأفضل، وقال الله عزو جل: {لَّا يَسْتَوِے اِ۬لْقَٰعِدُونَ مِنَ اَ۬لْمُؤْمِنِينَ غَيْرَ أُوْلِے اِ۬لضَّرَرِ} الآية [النساء: ٩٥] فبين أن المجاهدين أفضل من سائر المؤمنين، وليس يصح ذلك إلا بأن يكون الجهاد أفضل القرب، وروي أن النبي ÷ قال: «الجهاد سنام الدين»(٢) وسنام الشيء ذروته وأعلاه، وذلك يوجب أنه أفضل سائر القرب.
  وذكر يحيى # في المنتخب في وجه هذه المسألة أن الجهاد لما كان هو الأمر الذي به يمكن أن يقام به سائر الطاعات من الحج والصلاة واستيداء(٣) الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إذ لو كف الناس عن الجهاد لغلب أهل الشرك، ولبطل أكثر هذه الأمور، وبمقدار ما يضعف الناس وتضعف عزائمهم ورغبتهم في الجهاد يقوى أهل الشرك وأهل البغي وتختل هذه الطاعات، فدل ذلك على أن الجهاد أفضل القرب؛ لافتقار جميعها إليه.
(١) المنتخب (٥٤٣).
(٢) أخرجه الترمذي (٣/ ٢٣٧) بلفظ: الجهاد سنام العمل. وأخرجه أيضاً (٤/ ٣٠٨) بلفظ: ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد».
(٣) في (هـ): واستيفاء.