شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب القضاء والأحكام

صفحة 126 - الجزء 6

  آخر؟ فإذا ثبت أن قوله فيه مقبول فمتى قال: أعلم يجب أن يكون مقبولاً منه، ومتى كان مقبولاً جاز إمضاؤه. وأيضاً لا خلاف أنه يجوز له الحكم بما يراه فيما يختلف فيه، وبما يعلمه فيما لا يختلف فيه، بل لا يجوز غيره، فكذلك يجوز له أن يحكم بما علمه من حال الخصومة، والمعنى أنه حكم بما علم.

  فإن قيل: النبي ÷ لم يحكم بعلمه حين جحده الأعرابي بيع فرس له منه حتى شهد له بذلك خزيمة⁣(⁣١).

  قيل له: ذلك لم يكن على سبيل الحكم، ألا ترى أن الحاكم لا يحكم لنفسه؟ وإنما كان - والله أعلم - ليتعرف بصائر أصحابه، أو ليعرفها من خفيت عليه.

  فإذا ثبت ذلك لم يكن للفصل بين ما علمه قبل القضاء وبعده وجه كما ذهب إليه أبو حنيفة، ألا ترى أن الشاهد لما جاز أن يشهد بعلمه لم يكن فصل بين⁣(⁣٢) ما علمه قبل حال العدالة وجواز شهادته وبين ما علمه بعد⁣(⁣٣) ذلك، وإنما المعتبر كان بحصول العلم؟

  فإن قيل: علمه قبل القضاء لم يكن يجوز أن يحكم به إلا مع آخر، فكذلك إذا تقلد القضاء لم يجب أن يتغير.

  قيل له: يجب أن يتغير، وذلك أنه قبل القضاء لم يجز له أن يحكم به لأنه كان ممن لا يصح حكمه، فإذا صار ممن يصح حكمه جاز أن يحكم به، ألا ترى أن من علم الشيء في حال صغره أو فسقه أو كفره لم يجز أن تقع به الشهادة، [حتى إذا بلغ وصار عدلاً صح أن تقع به الشهادة]⁣(⁣٤) بتغير⁣(⁣٥) حكمه؟ لأن العلة في ذلك


(١) أخرج القصة أبو داود (٢/ ٥١٤، ٥١٥) والنسائي (٧/ ٣٠١، ٣٠٢).

(٢) «بين» ساقط من (أ، ج).

(٣) في (أ، ب، ج، د): قبل. وظنن في (د) بـ: بعد.

(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، د). وفي (هـ): فمتى صار بالغاً عدلاً تغير حكمه.

(٥) في (ب، د، هـ): تغير.