باب القول في أدب القاضي
  العقل والتمييز، فإذا بلغ عاقلاً مميزاً فهو رشيد(١).
  ويدل على ذلك قوله تعالى: {لَا تَأْكُلُواْ أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِالْبَٰطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَٰرَةٌ عَن تَرَاضٖ}[النساء: ٢٩]، فنبه على أن التجارة إذا وقعت على التراضي صحت وحل المأخوذ بها.
  ويدل على ذلك الخبر المشهور أن رجلاً كان يغبن في الشراء والبيع لضعف كان في عقله، فقال له النبي ÷ حين قال: لا أصبر عن البيع والشراء: «إذا بعت واشتريت فقل لا خلابة»، وروي في بعض الأخبار: «ولي الخيار ثلاثاً»(٢)، وفي بعض الأخبار أنه قال: جعلني النبي ÷ فيما أبيع وأشتري على الخيار ثلاثاً(٣)، وفي بعض الأخبار: أن أهله سألوا النبي ÷ أن يحجر عليه، فنهاه عن البيع، فلما قال: لا أصبر قال له ذلك(٤)، روي الحديث بألفاظ مختلفة، وليس في شيء من ذلك أنه حجر عليه، فدل ذلك على أن الحجر ليس بواجب للسفه. وليس لأحد أن يقول: إنه لا يدل على أنه لا يجوز؛ لأن أحداً لا يقول بجواز الحجر؛ لأن من العلماء من أوجبه ومنهم من منعه.
  ويدل على ذلك قوله ø: {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَيٰ أَجَلٖ مُّسَمّيٗ فَاكْتُبُوهُۖ}[البقرة: ٢٨١]، فعم ولم يستثن منه السفيه، وقال في وسط الآية: {فَإِن كَانَ اَ۬لذِے عَلَيْهِ اِ۬لْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً} ... إلى قوله: {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُۥ بِالْعَدْلِۖ}[البقرة: ٢٨١]، فدل على أن المداينة تصح ممن فيه سفه في المال.
  فإن قيل: أمر وليه بالإملاء(٥).
(١) في (هـ): الرشيد.
(٢) في (هـ): ثلاثة أيام.
(٣) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٥/ ٤٥٠).
(٤) أخرجه أبو داود (٢/ ٤٨٩).
(٥) لفظ شرح مختصر الطحاوي (٣/ ١٨٥، ١٨٦): فإن قيل: قوله: {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُۥ بِالْعَدْلِۖ} لم يدل على الحجر؛ لأنه أجاز إملاء الولي عليه بالعدل.