شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في الدعوى والبينات

صفحة 171 - الجزء 6

  يحمل ذلك على أنه لا يعرف اسمه ولا نسبه ولا صنعته، ولا معاملة كانت بينه وبينه أوجبت ذلك الحق عليه، وإذا حمل على ذلك لم يكن منه تكذيب للبينة.

  ويحتمل أن يكون قضاه أيضاً بالرسالة من غير الملاقاة، وأن تكون الدعوى أيضاً كانت بالرسالة. فكلامه # يدل على أن هاتين المسألتين على ما أجبنا عنهما؛ لأنه قال في آخر المسألة: يسمع منه الحاكم ما يقوله حتى ينظر ما⁣(⁣١) يدفع المدعي، فإن صح قوله فيما يدفع المدعي قبل قوله. فكأنه راعى أن يكون قوله غير مناف لبينته، فمتى كان كذلك قبل، وقد بينا أنه لا تنافي في هاتين المسألتين، فوجب أن يكون الجواب عنهما على قوله ما أجبناه.

مسألة: [فيمن دفع إلى آخر دنانير وقال: إنه وكله يشتري له بها، والآخذ يقول: أمرتني بدفعها إلى فلان]

  قال: ولو أن رجلاً ادعى على رجل أنه دفع إليه دنانير يشتري له بها شيئاً، فقال المدعى عليه: دفعتها إلي لأدفعها إلى فلان، وقد دفعتها إليه، فالبينة على من أخذ الدنانير فيما ادعى من أخذه على ذلك الوجه ودفعه إلى الآخر⁣(⁣٢).

  وإنما وجب أن يكون القول قول من دفع الدنانير لأن المدفوع إليه يثبت لنفسه حق تصرف مخصوص، وهو غير ثابت في الظاهر، فوجب أن يكون مدعياً تلزمه البينة على دعواه، ويجب أن تكون اليمين على صاحبه المنكر لذلك.

  فأما قوله: وعليه البينة في دفعه إلى الآخر فالمراد بذلك إذا أنكر المدفوع إليه، فتلزمه البينة عليه إذا كان التحاكم بينه وبينه، وليس تلزمه البينة لحق الدافع؛ لأنه إذا أقام البينة أنه أمره بدفعه إلى فلان صار فيه أميناً، ويكون القول قوله: إني دفعتها إلى فلان في حق صاحب المال، وعليه البينة في حق المدفوع إليه.


(١) في المنتخب (٤٩٥): بما.

(٢) المنتخب (٤٩٨).