شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في الدعوى والبينات

صفحة 170 - الجزء 6

مسألة: [في بينة المدعى عليه بالإيفاء أو الإبراء بعد قوله: ما له علي شيء]

  قال: فإن ادعى مالاً فقال: ما له علي شيء ولا أعرف ما يقول فأتى بالبينة على دعواه، فأتى المدعى عليه بالبينة أنه قد أوفاه أو أبرئ منه قبلت بينته، ولم يقدح فيها إنكاره الأول⁣(⁣١).

  ووجهه: أن البينة محمولة على الصحة حتى يثبت ما يوجب تكذيبها أو سقوطها، وقول المدعى عليه: ما له علي شيء [ليس بتكذيب منه لبينته؛ لأن البينة بالإيفاء إذا ثبتت ثبت أنه لم يكن عليه شيء]⁣(⁣٢) حين قال ذلك، فقوله موافق للبينة، وقوله: لا أعرف ما يقول محمول على أنه أراد به أنه لا يعرف ما يقوله المدعي من ثبوت الحق عليه؛ لأنه إذا قضاه لم يكن ثابتاً [وإذا لم يكن ثابتاً] لم يعلم ثبوته، فليس فيه تكذيب للبينة.

  والذي يجيء على ما قلناه أن المدعى عليه لو قال له: ما كان لك علي شيء قط أنه لا يكون تكذيباً للبينة إذا أقامها أنه قد قضاه، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه؛ لأن براءة ذمته من حق المدعي لا تمنع من صحة قضائه ما يدعيه؛ لأن الإنسان قد يفعل ذلك قطعاً للخصومة وتفادياً من اليمين، فليس فيه إكذاب البينة⁣(⁣٣).

  قال أبو حنيفة: فإن قال مع ذلك: ولا أعرفك لم تقبل بينته.

  والأولى أن تقبل بينته على قول يحيى؛ لأنه نص على أن بينته تقبل لو قال: ما أعرف ما تقول، وهذا مثل قوله: لا أعرفك.

  ووجهه: أنه معلوم أنه⁣(⁣٤) لا يريد بقوله: «لا أعرفك» لا أعرف شخصك، كيف يقول ذلك وهو يراه ويكلمه؟ وإنما المراد به لا أعرف أحوالك، فيجب أن


(١) المنتخب (٤٩٥).

(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).

(٣) في (ب، د): لبينته.

(٤) في المخطوطات: وأنه. والمثبت هو الصواب، ولفظ شرح القاضي زيد: قوله: لا أعرفك معناه لا أعرف أحوالك، وليس المراد به لا أعرف شخصك ... إلخ.