باب القول في الدعوى والبينات
  المرسل، فإن أقر المرسل أنه أرسله فالقول قول الرسول في دفعه إليه؛ لأن المرسل قد أقر أنه أمينه، فهو بمنزلة المودَع في أن القول قوله مع يمينه إذا قال: رد على المودِع، وإن أنكر المرسل أنه أرسله وقبض ذلك منه فالبينة على الرسول في أيها ادعى: من إرساله أو دفعه أو هما، واليمين على المرسل، فعلى هذا التفصيل يجب أن تجري المسألة. والعلامة لا تأثير لها في الحكم(١)؛ فلذلك سوينا بين وجودها وعدمها.
  وإذا أقر الرسول ولم يثبت على المرسل ما ادعاه، وادعى الرسول تلفه(٢)، فإن المحفوظ عن أبي حنيفة وأصحابه أنهم قالوا: إن كان الدافع أعطاه مصدقاً له فلا ضمان على الرسول؛ لأنه أقر أنه رسول المرسل أو وكيله، وأنه غير متعد في أخذه، وإقراره على نفسه جائز.
  قالوا: وإن أعطاه مصدقاً له وضمنه مع ذلك كان له أن يرجع عليه إن طالبه المرسل به؛ لأنه يجري مجرى ضمان الدرك. وهذان صحيحان على ما قالوه.
  وإن أعطاه مكذباً له كان له أن يضمنه.
  قال أيده الله: وهذا عندي خطأ؛ لأنه إذا أعطاه مكذباً له فقد قال(٣): إنه ليس بوكيل له، وقد جعله وكيل نفسه، فيجب ألا يلزمه الضمان.
  قالوا: وإن أعطاه غير مصدق ولا مكذب فله أن يضمنه. وهذا غير بعيد؛ لأنه لم يقر بأنه وكيل المرسل ولم يجعله وكيل نفسه، فكأنه أعطأه بشرط أن يكون صادقاً في ذلك، فمتى لم يثبت صدقه بالبينة أو إقرار المرسل ضمنه.
(١) لفظ شرح القاضي زيد: ولا فرق بين المسألة بين أن يكون الرسول جاء بعلامة أو بغير علامة؛ إذ لا تأثير لها في الحكم، فوجودها وعدمها سواء.
(٢) لفظ شرح القاضي زيد: فإن أقر الرسول بقبض المال ولم يثبت على المرسل ما ادعاه من الرسالة رد المال إليه، وإن ادعى تلفه فهو على أربعة أوجه ... إلخ.
(٣) في (هـ): قالوا.