شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في الدعوى والبينات

صفحة 200 - الجزء 6

  والأصل فيه: ما روي أن رجلين ادعيا بعيراً وأقام كل واحد منهما شاهدين أنه له، فقسمه النبي ÷ وقال: «هو لكما، لكل واحد نصف»⁣(⁣١).

  وأيضاً لما تساويا في سبب الاستحقاق وجب أن يتساويا في استحقاق ما تداعياه؛ دليله الغرماء إذا تساووا في استحقاق مال الميت أو المفلس يجب أن يكون ذلك بينهم، وكالولدين يرثان أباهما على التساوي لتساويهما في سبب الاستحقاق، وكذلك الأخوان.

  فإن قيل: قد علمنا كذب إحدى البينتين، فلا نحكم بواحدة منهما، كما أنا لا نحكم بشهادة الشاهدين إذا علمنا أن أحدهما شاهد زور.

  قيل له: ليس الأمر على ما ذكرتم، بل لا يمتنع أن يكونا جميعاً صادقين؛ لأن الشاهدين إذا شهدا بالملك فليس مرادهما الشهادة بتحقيق الملك؛ إذ ذلك لا سبيل إليه، وإنما شهد كل واحد منهما بظاهر الحال وظاهر التصرف وظاهر التملك⁣(⁣٢)، ولا يمتنع أن تكون كل واحدة من البينتين عرفت لمن شهدت ظاهر الحال فتكون صادقة في شهادتها، فيسقط⁣(⁣٣) ما اعترضتم. على أنا لو سلمنا سقوط البينتين لم يتغير الحكم.

  فأما إذا كان أحدهما هو الذي أقام البينة استحق الجدار كله بالبينة؛ لأنه مدع أقام البنية على دعواه.

  وقلنا: إن لم تكن لواحد منهما بينة حلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه وقسم بينهما لاستوائهما في اليد والدعوى واليمين، فجرى مجرى استوائهما في البينة في أنه يجب أن يقسم بينهما.


(١) أخرج نحوه أبو داود في السنن (٢/ ٥١٧) والبيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٤٣٤، ٤٣٥).

(٢) في (هـ): التمليك.

(٣) في (هـ): فسقط.