شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب القضاء والأحكام

صفحة 229 - الجزء 6

  خلاف أن شهادة الغريم لغريمه جائزة. كذلك قوله: «أولادكم من كسبكم» مجاز، ويفيد أن ابتداءه منكم، وإلا فلا خلاف أنهم ليسوا كسب آبائهم. وكذلك قوله ÷: «فاطمة بضعة مني» إنما أراد تشريفها وتعظيمها وتعريف الناس عظم محلها عنده، لا أنها في الحقيقة بضعة منه؛ إذ هي منفصلة عنه مستبدة بأحكامها، ومن حكم بعض الشيء أن تكون الجملة مشتملة عليه وعلى غيره، فليس في شيء من ذلك دليل على سقوط شهادة الآباء للأولاد، وإنما ذلك كما مثل وقال:

  وإنما أولادنا بيننا ... أكبادنا تمشي على الأرض

  لم يرد أنهم أكباد في الحقيقة، وإنما وصف كرامتهم عليهم.

  وما قدمناه يوجب قبول شهادتهم للأولاد وشهادة الأولاد لهم. وأيضاً هو مسلم عدل فوجب أن تجوز شهادته له وإن كان سبباً له؛ دليله الأخ إلا على قول الأوزاعي، والعم والخال على قول الجميع.

  فإن قيل: ما عرف⁣(⁣١) من وجد الآباء بالأولاد ومحبتهم لهم يوجب التهمة في شهاداتهم لهم⁣(⁣٢).

  قيل له: معاذ الله أن يتهم العدل التقي بذلك، فقد عرفنا من أحوال المسلمين من لدن الصحابة إلى يومنا هذا أنهم باينوا الأولاد وقاتلوهم ابتغاء رضوان الله، ولئن جاز أن يتهم في الشهادة لنفع يصل إلى ولده جاز أن يتهم إذا شهد للأجنبي، وأن يكون ارتشى وشهد له، ثم قد علمنا أن الإنسان قد يحب أخاه كما يجب ولده؛ لهذا⁣(⁣٣) قال بعض العرب لما بلغه أن أخاه قتل ولده:


(١) في المخطوطات: لما. والمثبت نسخة في (هـ).

(٢) في (ب، د، هـ): شهادتهم. و «لهم» ساقط من (أ، هـ).

(٣) في (هـ): ولهذا.