باب القول في الشهادات
  مع رجل، أو امرأة مع امرأة، وذلك أن أم أيمن كانت شهدت مع علي #، ولم يقل: إن شهادة الزوج لزوجته لا تقبل، ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة، فكان ذلك إجماعاً منهم؛ لأن الأمر إذا ظهر وانتشر فيهم وقال به بعضهم ولم يظهر عن أحد خلافه كان إجماعاً.
  فإن قيل: لا تجوز شهادة أحدهما لصاحبه؛ لأن كل واحد منهما ينتفع بماله غالباً، فلم يجز أن تقبل شهادة واحد منهما لصاحبه.
  قيل له: أما الزوج فلا حق له في مال المرأة، ولا يحل له أن يتبسط فيه إلا بإذنها كالأجنبي، فلا يجب أن يكون هذا مانعاً من قبول شهادته، وأما المرأة فانتفاعها إنما هو بالمعاوضة؛ لأن المهر عوض البضع، والنفقة في مقابلة بذلها نفسها، وهذا يجري مجرى ما يكون بين المتبايعين، أو بين المستأجِر والمستأجَر، أو ما يكون بين الغرماء، وشيء من ذلك لا يمنع قبول شهادته.
  فإن قيل: ما تستحقه المرأة من النفقة يزداد بحسب كثرة مال الزوج، وكذلك مهر المثل يزداد بحسب زيادة مال المرأة، فشهادة الرجل تسقط لأنها تزيد في قيمة ما يملكه، وهو البضع، وشهادة المرأة تسقط لأنها تزيد في استحقاقها.
  قيل له: هذا فاسد، فإن الغريم إذا شهد لغريمه المعسر ثبتت شهادته وإن كان ما يحصل له يستحقه الشاهد، والرجل يشهد على جاره السخيف المؤذي في داره للكريم الفاضل فتقبل وإن كانت مجاورته تزيد في قيمة دار الشاهد. على أن ما قالوه لا فائدة فيه؛ لأن زيادة مهر المثل لا تنفع الزوج على وجه من الوجوه؛ لأنها لو وطئت بشبهة كان المهر لها دون الزوج، فأي فائدة للزوج فيه؟
  فإن قيل: العادة أن مال الزوج يكون في يد المرأة، ومال المرأة يكون في يد الزوج، فإذا شهد أحدهما لصاحبه فكأنه شهد بما يستحقه باليد.
  قيل له: مال كل واحد منهما في يد صاحبه يكون على سبيل التراضي لا على سبيل الاستحقاق، فلا معنى لقولكم: إنها شهادة بما تستحقه يده.