شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في الشهادات

صفحة 249 - الجزء 6

  شاهدان في ذكر حق أنه كتابه⁣(⁣١) بيده جاز [وأخذ به] كما لو شهدا على إقراره.

  قال: وخالفه جميع الفقهاء في ذلك، قال: وعدوا هذا القول شذوذاً.

  وهو صحيح؛ لأن الخط قد يشبه الخط، وقد يتعمد إلى التزوير فيه على ما بيناه فيما تقدم.

  وأما إطلاق يحيى # القول في أنه ليس للحاكم أن يحكم بالخط فكان أبو العباس الحسني | يقول: إن هذا يدل من قوله على أن كتاب القاضي إلى القاضي لا يجوز حتى يشهد به الشهود، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، ولا أحفظ فيه خلافاً. وظاهر قوله يقتضي أنه لا يكفي أن يشهدوا أنه كتاب القاضي فقط حتى يشهدوا بمضمونه، ووجهه: ما مر من اشتباه الخطوط وجواز وقوع التزوير فيه.

  فإن قيل: روي أن النبي ÷ كتب كتاباً وختمه ودفعه إلى بعض أصحابه وقال: «لا تفتحه حتى تأتي موضع كذا، فإذا بلغته فتحته وعملت بما فيه»، فإذا جاز ذلك فلِمَ لا يجوز أن يشهد على كتاب القاضي وإن لم يقرأ ما فيه؟

  قيل له: هذا جار مجرى الأخبار دون مجرى الشهادة، وقد احتيط في الشهادة ما لم يحتط في الأخبار، ألا ترى أنه لو كان رسالة جاز أن يعمل بها؟ ولا يجوز ذلك في الشهادة، فكذلك كتاب القاضي.

  ويدل كلامه على أنه لا يعتبر الختم في ذلك ولا انكساره؛ لأنه بنى الأمر فيه على الشهادة، وبه قال الشافعي، وحكي عن أبي حنيفة وزفر أن الختم إن انكسر لم يقبله الحاكم. وذلك لا وجه له؛ لأن الشهود لو شهدوا على تفصيل ذلك بغير كتاب لجاز، فدل على أن الكتاب جار مجرى العهود والقبالات في أن العمل على الشهادة دون ما سواها.


(١) في مختصر اختلاف العلماء: كتابته.