شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب القضاء والأحكام

صفحة 256 - الجزء 6

  فبان بما بيناه أن الحكم لا يجب أن ينتقض⁣(⁣١) برجوعهم، فإذا ثبت ذلك فقد اختلف العلماء بعد ذلك، فذهب بعض العلماء إلى أنهم لا يغرمون شيئاً، ويجعل قولهم هذراً، وأظنه أحد قولي الشافعي، وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنهم يغرمون، وهو الصحيح، ووجهه: أنهم اعترفوا على أنفسهم أنهم أتلفوا مال الغير، أو نفسه إن كان حداً أو قصاصاً، أو عضوه، فعليهم ضمانه؛ دليله لو اعترفوا لا على وجه الرجوع عن الشهادة.

  فإن قيل: إنهم لم يتولوا إتلافه، فهم بمنزلة من حال بين الإنسان وبين ماله في أنه لا يضمن.

  قيل له: ذلك الإتلاف في الحكم كأنهم قد تولوه؛ لأنهم كانوا ألجأوا الحاكم إلى تسليمه إلى من أتلفه، فصار الحاكم لهم كالآلة في ذلك، فيجب أن يضمنوه [ألا ترى أنهم لو أغروا بهيمة على إتلاف شيء فأتلفته بإغرائهم ضمنوه]⁣(⁣٢)؛ لأنهم في الحكم كالملجئين للبهيمة إلى ما فعلت⁣(⁣٣)؟ فكذلك مسألتنا.

  وأيضاً ليس يختلف قول الشافعي في شهود القصاص إذا رجعوا وقالوا: تعمدنا أنهم يقتلون، وإن قالوا: أخطأنا يلزمون الدية، فيجعل ما فعله الحاكم كأنهم فعلوه، فكذلك حكم المال. وروينا ذلك عن علي #، ولا مخالف له في الصحابة.

  وأيضاً هو معترف أن ملك المشهود له⁣(⁣٤) ملك غيره، فوجب أن يضمن حين اعترف كما لو اعترف⁣(⁣٥) في شيء كان في يده أنه كان لغيره ثم باعه.

  وأيضاً قد تعدوا في سبب تلف المال، فوجب أن يضمنوا كحافر [البئر في]


(١) في (هـ): ينقض.

(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (أ، ج).

(٣) في (أ، ج): فعل.

(٤) في (أ): عليه.

(٥) في (أ، ج): كحين اعترف في شيء. وفي (ب، هـ): حين اعترف في شيء. وفي هامش (ب): لعل الكلام: فوجب أن يضمنه كما لو اعترف بشيء ... إلخ.