كتاب القضاء والأحكام
  قيل له: وهذا أيضاً كالأول بعيد مما اختلفنا فيه؛ لأن الحاكم حكم بصحة عقد واقع في الحقيقة، فلذلك نفذ حكمه ولم يكن لمن بعده فسخه، وهذا لو لم يكن عقداً أيضاً لم يكن لحاكم آخر فسخه، ألا ترى أن حاكماً لو ترافع إليه الجد والأخ فحكم بنصف الميراث للأخ لم يكن لحاكم آخر أن يفسخ ذلك الحكم ويجعل الميراث كله للجد؟ فبان أن العقد وما ليس بعقد في ذلك سواء، والعلة في الجميع أن الحكم الممضى بالاجتهاد لا يعترض باجتهاد مثله، والعقد وغير العقد فيه سواء
  فإن قيل: على الحاكم إمضاء العقد إذا شهد به الشهود العدول في الظاهر، وهو الذي أمر الله به ø، فإذا كان ذلك كذلك وجب أن يصح ذلك العقد ويقع؛ لأن سائر العقود إنما تستقر لإيقاعها على ما(١) أمر الله تعالى.
  قيل له: هذا فاسد؛ لأن على الحاكم إلزام ما شهد به الشهود العدول في الظاهر من الدين، وهو الذي أمر الله به، ومع هذا لا يختلف أن الدين لا يلزم بالحكم إذا لم يصادف ديناً لازماً قبل الحكم، فكذلك العقد والفسخ، وهذا ما لا إشكال فيه.
  فإن قيل: روي عن علي # في امرأة ادعى زوجيتها رجل فترافعا إليه، فشهد للرجل شهود، فقالت المرأة لعلي #: إني لم أتزوجه، وسألته إيقاع العقد بينهما، فقال علي #: (شاهداك زوجاك)(٢) [فدل ذلك على أن حكم الحاكم في الظاهر حكم في الباطن.
  قيل له: لا يمكن حمل قوله #: (شاهداك زوجاك)](٣) على الظاهر؛ إذ لا
(١) «ما» ساقط من (ب، د).
(٢) كذا في المخطوطات. ولفظ شرح مختصر الطحاوي (٨/ ١٧٨) وشرح أدب القاضي للخصاف (٣/ ١٧٥): قد زوجك الشاهدان.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، د).