كتاب القضاء والأحكام
  فإن قيل: روي عن النبي ÷ أنه قال في شأن هلال بن أمية حين لاعن بينه وبين امرأته وفرق بينهما: «إن أتت بولد على صفة كذا فهو لهلال بن أمية، وإن جاءت بولد على صفة كذا فهو لشريك بن سحماء»، فجاءت به على الصفة المكروهة(١) فقال: «لولا ما سبق من كتاب الله لكان لي ولها شأن»(٢).
  فدل ÷ على صدق هلال وكذب امرأته، ولم يرفع الفرقة الواقعة لعدم علمه بصدق الصادق منهما(٣)، فدل ذلك أن الفسخ الواقع لا يجب رفعه وإن كان باطنه بخلاف ظاهره.
  قيل له: هذا سؤال بعيد، وذلك أن النبي ÷ أوقع فرقة لم تكن واقعة قبل إيقاعها؛ لأن الله تعالى أوجب إيقاعها بعد كمال اللعان، فلم يجب أن يرفعها بتة، [ألا ترى أنهما أيضاً لو تصادقا بعد وقوع الفرقة لم يجب رفعها؟ وليس ذلك(٤) موضع الخلاف، فأما موضع الخلاف فهو أن يحكم بصحة فرقة واقعة قبل حكمه فلا يصادف حكمه فرقة بتة](٥) فلا تعلق لكم إذاً بما ذكرتم، يكشف ذلك أنه كان معلوماً كذب أحدهما لا بعينه، فتعيينه لا يغير الحكم.
  فإن قيل: قد ثبت أن حاكماً لو رفع إليه عقد اختلف فيه بحق(٦) الشفعة فأجازه وحكم بالشفعة وصحة العقد لم يجز لحاكم آخر يرى خلاف ذلك أن يعترضه بالفسخ، ولو لم يكن حكم به الحاكم الأول لجاز فسخه، فبان أن الحكم له تأثير في العقود.
(١) «المكروهة» ساقط من (أ، ج) وظنن به في هامشيهما.
(٢) أخرجه البخاري (٦/ ١٠٠) والطحاوي في شرح معاني الآثار (٣/ ١٠٢).
(٣) لفظ شرح مختصر الطحاوي (٨/ ١٨٠): ولم يرفع الفرقة التي أوقعها لأجل عدم علمه بدءاً بصدق الصادق منهما.
(٤) في (أ، ج): كذلك.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (هـ).
(٦) كذا في المخطوطات، وفي شرح مختصر الطحاوي (٨/ ١٨٠): نحو الشفعة بالجوار.