باب القول في الوكالة
  وإنما قلنا: إن غالب الظن يراعى في أخبار المعاملات لأن أخبار المعاملات لا تثبت إلا مع غالب الظن، ألا ترى أن إنساناً لو حمل شيئاً على سبيل الهدية إلى رجل عن غيره فغلب على ظنه أنه يكذب فيما يقول ويمجن لم يحل له(١) الانتفاع به؟ وكذلك المودَع من أخبره أن المودِع أمره أن يتصرف في الوديعة ضرباً من التصرف وغلب على ظنه كذبه لم يحل له(٢) التصرف فيه(٣)، وعلى هذا خبر الإذن في دخول الدار، فكذلك ما قلناه.
  وذكر(٤) أصحاب أبي حنيفة أن الوكيل(٥) يثبت بقول واحد وإن لم يكن عدلاً ولا يثبت العزل؛ لأنه أوكد من التوكيل؛ لأنه يوجب ضماناً لم يكن؛ لأن المتصرف بعد العزل يضمن.
  فيقال لهم: يجب أن يكون التوكيل أوكد؛ لأنه يسقط ضماناً ثابتاً، ويبيح تصرفاً محظوراً، فخبره إلى التأكيد أحوج؛ لأن من تصرف في مال غيره فالأصل أنه يضمن، ومخبر التوكيل يسقط عنه ذلك، ولأن خبر الإباحة وخبر الحظر إذا اجتمعا كان خبر الإباحة محتاجاً إلى التأكيد؛ لأنهما لو تساويا كان خبر الحظر أولى، فبان أن اعتبار أصحاب أبي حنيفة في هذا فاسد. على أنه لا خلاف أن المخبر لو كان رسولاً صار معزولاً وإن لم يكن(٦) الرسول عدلاً، والرسول والمخبر في ذلك سواء.
  فإن قيل: يفرق بينهما أن الرسول قائم مقام المرسل.
  قيل له: ليس فيه أكثر من أنه أعلمه من جهته ما لم يكن به عالماً، وهذا
(١) «له» ساقط من (أ، ب، ج، د).
(٢) «له» ساقط من (أ، ب، ج، د).
(٣) كذا في المخطوطات.
(٤) في المخطوطات: في ذكر. والمثبت مظنن به في (د).
(٥) كذا في المخطوطات. ولعلها: التوكيل.
(٦) في (أ، ب، ج، د): وإن كان لم يكن.