باب القول في الكفالة والحوالة
  وبحصول الضمان لم يجب إسقاطه عن(١) الأصل عقلاً ولا شرعاً، فهو على ما كان عليه. ولأنه لم يشترط براءته، وليس في صحة ضمانه ما يبرئ صاحب الأصل، ألا ترى أن الغاصب [من الغاصب](٢) يضمن المغصوب ولا يوجب ذلك سقوط الضمان عن الأصل؟ فكذلك مسألتنا، وإن كان أحدهما ضماناً بالقول والآخر ضماناً بالفعل. وفي حديث أبي قتادة أن النبي ÷ لم يصل على ميت وضع بين يديه لدينارين كانا عليه حتى ضمنهما أبو قتادة، فجعل ÷ يتوثق على أبي قتادة، يقول: «هما عليك» فكان النبي ÷ إذا لقي أبا قتادة يقول: ما صنعت بالدينارين؟ حتى قال آخر ذلك: قد قضيتهما يا رسول الله، فقال: «الآن بردت عليه جلده»(٣)، فدل ذلك على أن الميت لم يبرأ من الدين بالضمان حتى حصل الأداء.
  فإن قيل: لو لم يكن برئ بضمانه عنه لما صلى عليه.
  قيل له: يجوز أن يكون صلى عليه لأنه صار بمنزلة من ترك الوفاء.
  فإن قيل: فقد روي أنه قال: «هما عليك والميت منهما بريء».
  قيل له: يحتمل أن يكون أراد بريء بأدائك.
  وروى زيد بن علي عن أبيه، عن جده، عن علي $ في رجل له على رجل مال فكفل له رجل بالمال، قال: «له أن يأخذهما بالمال»(٤).
  وأيضاً قد ثبت أن الضمان يصح بغير إذن المضمون له، فلو قلنا: إنه يسقط الحق عن الأصل لكنا أسقطنا حقه بغير رضاه، وقال ÷: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه».
(١) في (أ، ب، ج، د): من.
(٢) ما بين المعقوفين من شرح القاضي زيد.
(٣) أخرجه الدارقطني في السنن (٤/ ٥٤، ٥٥) وأحمد في المسند (٢٢/ ٤٠٥) عن جابر.
(٤) مجموع الإمام زيد بن علي @ (٢٠٢).