باب القول في الكفالة والحوالة
  لكنا استحسنا فيه اتباع الأثر - لم يكن ذلك بعيداً.
  فإن قيل: أليس قد روى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي $ أنه قال: (لا توى على مسلم، إذا أفلس المحال عليه رجع صاحب(١) الحق على الذي أحاله)(٢)؟
  قيل له: معناه إذا كان مفلساً في حال الحوالة وغر(٣) به المحتال؛ للأدلة التي قدمناها، وعلى هذا أيضاً يحمل ما روي عن عثمان من قوله: لا توى على مسلم(٤). يبين صحة هذا التأويل أن الحق عندنا لم يتو على المحتال؛ لأنه بقبول الحوالة في حكم المستوفي حقه، وإنما عرض التوى بعد استيفاء الحق حكما، وذلك لا يعتبر به. يكشف ذلك أيضاً أنه لا خلاف أن المحيل إذا مات قبل استيفاء المحال حقه يقسم ماله على ورثته، فدل ذلك على انقطاع حقه عنه، ألا ترى أن المضمون عنه لو مات لم يقسم ماله ما لم يقبض صاحب المال حقه؟
مسألة: [في عدم جواز الضمان في الحدود]
  قال: ولا يجوز الضمان في الحدود(٥).
  ووجهه: أن الضمان وضع للاستيثاق كي يتوصل به إلى استيفاء الحقوق، وأمر الحدود موضوع على خلاف ذلك؛ لأنها تدرأ بالشبهات، ويجب التوصل إلى درئها، ألا ترى أن المقر يجوز أن يلقن ما يوجب درء الحد عنه على ما ورد به الأثر؟ فإذا كان ذلك كذلك فلا معنى فيها للضمان؛ ولأن النبي ÷ قال: «الزعيم غارم»، وضامن الحد لا يجوز أن يغرمه، فثبت أنه ليس بزعيم فيه.
(١) في المخطوطات: طالب. والمثبت من مجموع الإمام زيد بن علي @.
(٢) مجموع الإمام زيد بن علي @ (٢٠٢).
(٣) في (أ، ج): وفر. وهو تصحيف.
(٤) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٦/ ١١٧) بلفظ: ليس على مال امرئ مسلم توى. وفي شرح مختصر الطحاوي (٣/ ٢٢٤): لا توى على مال امرئ مسلم.
(٥) الأحكام (٢/ ١٠٥).