كتاب القضاء والأحكام
  فإن قيل: فما تقولون في الشفيع إذا امتنع من دفع قيمة ما بناه المشتري؟
  قيل له: القياس يوجب أن يسلم شفعته إن امتنع من ذلك(١)، إلا على رواية الفنون(٢) فإنه يقول: إنه يلزم المشتري قلعه بغير عوض، وإن كان الأصح ما قلناه من أنه يسلم الشفعة متى لم يضمن قيمة البناء؛ لأن الباني لم يكن متعدياً فيه.
  وقلنا: إنه إن امتنع من إعطاء القيمة سلم الأرض وما عليها وكان أسوة الغرماء لأنه لما امتنع من توفير قيمة البناء والغرس لم يمكنه استيفاء حقه الذي أبيح له إلا بإدخال الضرر على الغرماء، وهو محظور، فقلنا: إنه لا سبيل لك إلى استيفاء هذا الحق، فاعدل عنه إلى الوجه الثاني، وهو أن تكون أسوة الغرماء؛ لتكون استوفيت حقك من غير مضارة أحد، كما قلنا في الشفيع، على أنه في هذه المسألة أبين؛ لأنه يعدل عن استيفاء حق(٣) إلى استيفاء حق كان له الخيار(٤) فيهما، فصار استيفاء الحق الذي لا مضارة فيه لأحد أولى، والشفيع متى سلم الشفعة فقد أبطل حقه؛ لا أنه(٥) عدل عن استيفاء حق إلى استيفاء حق.
  وأما قلع البناء والغرس جميعاً(٦) فقلنا: إنه لا يكون إلا بتراضي الجميع لأن فيه إضراراً بالأرض والبناء والغرس جميعاً، وما يكون إضراراً بالجميع لا يكون إلا بتراضي الجميع، ألا ترى أن الثوب الواحد لا يقسم بين الشريكين إلا بتراضيهما جميعاً؛ لأن فيه إدخال الضرر على كل واحد منهما؟ فكذلك القلع.
(١) يعني فتبطل شفعته كما يبطل رجوع البائع في المبيع إذا امتنع من دفع قيمة ما أحدثه المشتري المفلس.
(٢) الفنون (٦٦٣).
(٣) في (أ، ب، ج، د): حقه.
(٤) في (أ، ج): بالخيار.
(٥) في (أ، ب، ج، د): لأنه.
(٦) كذا في المخطوطات.