باب القول في التفليس
  فبين أن المراد في المسألة الأولى(١) أنه إن سلم الأرض وما عليها أخذ الثمن على أن يكون أسوة الغرماء، فصار تحصيل مذهبه في المسألتين جميعاً - الأولى وما بعدها - أن البائع أولى بالأرض والبناء والغرس(٢) إن اختار ذلك وأعطى الغرماء قيمة البناء والغرس قائمين(٣)، فإن لم يختر ذلك سلم الأرض وما عليها للغرماء، وكان هو [ما يخصه](٤) في الثمن أسوتهم، يأخذ منه بالحصة. وأما هدم البناء وقلع الغرس فإنما يجوز إذا تراضى الجميع به البائع والغرماء على سبيل أن يختار الجميع ذلك.
  ووجه ما قلناه من أن البائع مخير بين أن يأخذ الأرض وما عليها من البناء والغرس ويدفع إلى الغرماء قيمة البناء والغرس إن أحب ذلك أن(٥) النبي ÷ جعله أولى بأرضه؛ لأنها عين ماله بقوله: «من وجد متاعه بعينه عند رجلٍ قد(٦) أفلس فهو أحق به»، ومنع ÷ الضرر بقوله: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»، فكأنه قيل له: أنت أحق بعين مالك على ألا تضار أحداً، فقلنا: إنه يأخذ أرضه ويدفع قيمة البناء والغرس قائمين؛ لئلا يكون أضر بالغرماء في استيفاء حقه. يكشف ذلك أن الإباحة والحظر إذا اجتمعا غلب الحظر، وهاهنا أخذ البائع للأرض مباح، وإدخال الضرر على الغرماء محظور، فقلنا له: ادفع الضرر عنهم لتصل إلى المباح. ألا ترى أن أحد الشريكين إذا أعتق نصيبه ضمن نصيب شريكه؛ ليدفع عنه الضرر الذي لحقه من جهته باستيفائه نصيبه؟ وكذلك أحد الوارثين إذا عفا عن القاتل لم يكن للوارث الآخر قتله؛ لأنه يضر بالقاتل باستيفائه حقه، فكذلك ما قلناه.
(١) «الأولى» ساقط من (ب، د، هـ).
(٢) في (ب، د): أن البائع بالأرض والبناء والغرس أولى.
(٣) «قائمين» ساقط من (هـ).
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (أ، ج).
(٥) في المخطوطات: لأن.
(٦) في (أ، ب، ج، د): ثم أفلس.