شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في الضوال واللقط

صفحة 370 - الجزء 6

  أو للذئب»، قال: فضالة الإبل، قال: «معها سقاؤها وحذاؤها، تَرِدُ الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها».

  وزاد أبو هريرة وغيره في روايته: «ما لك ولها؟ معها سقاؤها»، وقوله ÷: «احبس على أخيك ضالته»، فلما لم يشترط في شيء من ذلك الإشهاد دلت هذه الظواهر على أن للملتقط أن يأخذها بغير إشهاد، وأنه لا يكون بذلك متعدياً، فثبت أنه لا يضمن؛ لأن الملتقط لا يضمن إلا بالتعدي، ولا خلاف فيه.

  فإن قيل: روي عن عياض بن حمار المجاشعي عن النبي ÷: «من التقط لقطة فليشهد ذوي عدل ولا يكتم»⁣(⁣١)، فأمر بالإشهاد، والأمر يقتضي الوجوب.

  قيل له: ظاهر هذا الخبر يوجب ما لا يقول به أحد، وهو أنه يوجب أن يكون الإشهاد بعد الالتقاط؛ لأنه قال: من التقط فليشهد، فهو يجري مجرى قوله: «من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف وليتوضأ»، ألا ترى أنه يوجب أن يكون الانصراف والتوضؤ بعد القيء أو الرعاف؟ فكذلك هذا الخبر يوجب أن يكون الإشهاد بعد الالتقاط، والإشهاد بعد الالتقاط لا خلاف أنه ندب وأنه ليس بواجب، على أنا لو استدللنا بهذا الخبر على أن الإشهاد ليس بشرط فيه لكان ذلك صحيحاً.

  فإن قيل: فقد روي: «من وجد لقطة فليشهد»⁣(⁣٢).

  قيل له: الصحيح الذي نعرفه وأسنده أبو جعفر في شرح الآثار هو بلفظ الالتقاط دون لفظ الوجدان، فإن كان روي بهذا اللفظ فيجوز أن يكون الراوي رواه على ما تصوره من المعنى، على أن أحداً لا يقول بظاهر هذا الخبر أيضاً؛ لأن الإشهاد


(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٦/ ٣٠٩) والطحاوي في شرح معاني الآثار (٤/ ١٣٦).

(٢) أخرجه أبو داود في السنن (١/ ٥٠٠) وابن ماجه (٢/ ٨٣٧).