كتاب القضاء والأحكام
  لا يجب(١) على الواجد إن لم يرد أخذها، وظاهره(٢) يوجب على كل واجد.
  فإن قيل: فما فائدة الندب فيه؟
  قيل له: [له فوائد] أحدها: أن يبين تميز ذلك عن ماله؛ لئلا يختلط بماله فيستقصه(٣) الورثة إن حدث به الموت.
  والثاني: أن يبعد نفسه عن موقف التهمة، فإن كثيراً من الناس قد يلتقط لنفسه، وذلك مثل ما أمر الله به من الإشهاد عند التبايع وعند الرجعة، وعند تسليم المال إلى اليتيم عند البلوغ.
  وأيضاً هي في يده أمانة، فلا تفتقر إلى الإشهاد عند تناولها؛ دليله الوديعة، ووجدنا الأصول كلها تشهد بذلك؛ لأن تناول شيء من المال لا يفتقر إلى الشهادة، ولم تجعل الشهادة شرطاً في شيء من عقودها واستيفائها وإيفائها والتصرف فيها.
  فإن قيل: كان الأصل في اللقطة ألا يجوز التقاطها؛ لأنها مال للغير، ولا يجوز أخذها بغير إذن صاحبها إذا لم يتعلق الأخذ به حق، فلما أجمعوا على أن أخذها مع الإشهاد جائز إذا أخذها قلنا به، وتركنا الباقي على الأصل.
  قيل له: قد أجمع المسلمون على أن أخذ اللقطة جائز إذا أخذها للتعريف والحفظ، فلا نجعل شرطاً فيه ما لم يقم عليه الدليل. ويبين ذلك أيضاً أن الغصب مضمون إذا أخذه بغير إشهاد، فكان مضموناً إذا أخذه بإشهاد، فكذلك اللقطة لو كانت مضمونة إذا أخذت بغير إشهاد كانت مضمونة وإن أخذت بإشهاد؛ لأنها مضمونة إذا أخذت بغير إشهاد، وفي عكسه الوديعة، لما كانت غير مضمونة إذا أخذت بالإشهاد لم تكن مضمونة وإن أخذت بغير
(١) في (أ، ب، ج، د): يوجب.
(٢) في (أ، ج): فظاهره.
(٣) في (هـ): فيستقضيه.