باب القول في صيد الجوارح
  وهذا مما لا خلاف فيه، إنما كان ذلك كذلك لأنه إذا أخذ الصيد من الكلب الذي ليس بمعلم ثم ذكاه كان بمنزلة سائر الذبائح، ولا فصل في هذا بين المعلم وغير المعلم، ويشهد له قوله ø: {وَمَا أَكَلَ اَ۬لسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ}[المائدة: ٤]، فأما إن لحقه بعد القتل لم يحل له أكله؛ لأن الله ø إنما أباح فريسة الكلب بشرط التعليم.
مسألة: [في جواز أكل الصيد الذي اشترك فيه كلبان معلمان أو أكثر]
  قال: وإذا اشترك كلبان معلمان أو أكثر في الصيد جاز أكله وإن أكلت الكلاب منه(١).
  هذا إذا كان قد أرسل كل واحد منهم(٢)؛ لأن قتله يكون بمعنى التذكية بالإرسال.
  ووجه ذلك عموم قوله ø: {فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}[المائدة: ٥]، فعم، فكان الاشتراك فيه كالانفراد؛ ولأن الواحد جائز أكل فريسته للإرسال والتعليم والتسمية، وإذا شاركته الجماعة في هذه العلة ساوته في الحكم.
  فأما جواز أكله وإن أكلت الكلاب منه فهو ما مضى، فلا غرض في إعادته.
مسألة: [في عدم جواز أكل الصيد إذا اشترك فيه المعلم وغير المعلم]
  قال: وإذا اشترك فيه المعلم وغير المعلم لم يجز أكله(٣).
  ووجهه: أنه لا خلاف في حظر فريسة ما ليس بمعلم وإباحة فريسة ما هو معلم، فلما اجتمعا اجتمع الحظر والإباحة، فوجب تغليب الحظر على الإباحة.
  فإن قيل: فأنتم قلتم في جواز أكل ما قتل الكلب المعلم وأكل منه: إنه ليس للخصم أن يرجح بالحظر؛ لأن إضاعته عندنا محظورة، فكأنهما حظران تقابلا،
(١) الأحكام (٢/ ٢٩٨).
(٢) في (هـ): منهن.
(٣) الأحكام (٢/ ٢٩٧، ٢٩٨) والمنتخب (٢٢٢).