باب القول في صيد الجوارح
  ويدل على ذلك قوله تعالى بعد تعديد ما حرم علينا: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ}[المائدة: ٤]، وما قتلته الطير مما لم نذكه، فوجب أن يكون حراماً.
  فإن قيل: في حديث سعيد بن المسيب حين سئل عن الصيد يدرك وقد أكل الكلب منه أو البازي نصفه؟ فقال: سألت سلمان الفارسي عنه فقال: سألت رسول الله ÷ عن ذلك فقال: «كله وإن لم تدرك(١) إلا نصفه»(٢).
  قيل له: ليس في لفظ سعيد ولا في لفظ سلمان ذكر البازي، وإنما هو في لفظ السائل، وإنما كان غرض السائل أن يتعرف هل يجوز أكل الصيد الذي أكلت منه الجوارح، فيحتمل أن يكون الجواب خرج على(٣) الكلب، يبين ذلك أن سائر الأخبار ليس فيها ذكر البازي، فإذا احتمل ذلك كان ما اقتضته الآية من تحريم ذلك على ما بيناه أولى. على أن محمد بن منصور روى عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله، إنا قوم نصيد بهذه الكلاب والبزاة، فما يحل لنا منها؟ قال: «يحل لكم ما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله، فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه»(٤)، فنبه(٥) بظاهر قوله أن التحليل بشرط أن تكون الجارحة(٦) مما علمناه مكلبين، فوجب ألا يدخل فيه البازي والصقر، كما لا يدخل فيه كلب الضرع والزرع إذا لم نعلمهما مكلبين.
  ويدل على ذلك أنه لا خلاف في أن ما قتله الكلب الذي ليس بمعلم ذلك التعليم المخصوص لا يجوز أكل صيده، ككلب الضرع والزرع، فوجب أن يكون البازي والصقر كذلك، بعلة أن كل واحد منهما لا يأتمر لصاحبه في باب
(١) في (ب، ج، د): يترك.
(٢) أخرجه محمد بن منصور في الأمالي (٤/ ٢٨٢).
(٣) في (هـ): عن.
(٤) أمالي أحمد بن عيسى (٤/ ٢٧٩).
(٥) في (هـ): فبين.
(٦) في (هـ): أن يكون الجارح.