كتاب الصيد والذبائح
  وروي أن أبا بكر وعمر كانا لا يضحيان كراهة أن يُرَى أنها واجبة(١)، وروي نحوه عن ابن عباس، وأنه كان يشتري يوم الأضاحي بدرهمين لحماً، ويقول: هذه أضحية ابن عباس(٢)، يقصد به إلى تعريف الناس أنها غير واجبة. وروي التشريك في الشاة في الأضحية عن النبي ÷(٣)، ولا خلاف أن التشريك فيها لا يجوز إذا كانت واجبة، فدل ذلك على أنها غير واجبة.
  على أن أخبارهم إذا كانت محمولة على الندب عمت، وإن كانت محمولة على الوجوب خصت، فكما أنا صرفنا الوجوب عن ظاهره إلى الندب فقد صرفوا هم العموم عن ظاهره إلى الخصوص، واستوينا في الاستعمال، فلا حجة لهم فيها. على أنهم إذا قالوا في خبرنا: «إن السنة بمعنى الفرض» فقد صرفوا الخبر عن الظاهر من وجهين:
  أحدهما: أنهم قالوا: إن المراد بالسنة هو الفرض، وهذا خلاف الظاهر.
  ومنها: أنهم جعلوا الخبر في الأغنياء، وهذا أيضاً خلاف الظاهر.
  ومن وجه ثالث: أنهم خصوها بالمقيم، ونحن أجريناها على الظاهر من الوجوه كلها.
  فإن قيل: قوله: «من وجد سعة فليضح» يفيد ظاهره أنها على الأغنياء.
  قيل له: السعة هو الإمكان؛ لقول الله ø: {لَا يُكَلِّفُ اُ۬للَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَاۖ}[البقرة: ٢٨٥]، أي: ما يمكنها، وهاهنا من يمكنه، وهو عندكم غير مخاطب ما لم يبلغ حداً معلوماً، فقد خصصتموه، ونحن لا نخصه، بل نجريه على عمومه، فنقول: إنها مستحبة لمن أمكنه.
(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٩/ ٤٤٤).
(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٩/ ٤٤٥).
(٣) أخرجه ابن ماجه (٢/ ١٠٤٣) والبيهقي في السنن الكبرى (٩/ ٤٤٨، ٤٤٩).