باب القول في الأطعمة
  فأمر به فطرح، ثم قال: «سموا عليه وكلوا، فإن هذا لا يحرم شيئاً»، فدل ذلك على أن الخنفساء لا يجوز أكلها؛ لأن أكلها لو كان جائزاً لم يأمر أن يرمى بها؛ لأن المأكول لا يجوز أن يرمى به ويضيع، فإذا ثبت ذلك في الخنفساء قسنا عليها سائر الحرشات ومنعنا من أكلها.
  فإن قيل: هلا قستم على الجراد؟
  قيل له: لأنه مخصوص، والقياس على ما لم يكن مخصوصاً من(١) جملته أولى من القياس على المخصوص، على أن أصحاب أبي حنيفة لا يرون القياس(٢) على المخصوص. على أن قياسنا يوجب الحظر، وقياسهم يوجب الإباحة، والحظر أولى من الإباحة. وأيضاً روي عن النبي ÷: «خمس يقتلهن المحرم» وذكر فيه «الفأرة»، ولو حل أكله لم يبح قتله إلا على وجه الذبح. على أن كثيراً من حرشات الأرض لا يتأتى فيها الذبح والتذكية، فهي(٣) تكون ميتة، فتحرم بقوله ø: {۞حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ اُ۬لْمَيْتَةُ}[المائدة: ٤]. على أن الذين أباحوا ذلك لا يفصلون بين أن يموت أو يذبح. على أن الذكاة اسم شرعي، ولم يرد الشرع بأن ذبح هذه الأشياء يكون ذكاة، ألا ترى أن ذبح الخنزير لا يكون ذكاة له؟
  وحكي عن الشافعي أنه قال: ما كانت العرب تستقذره فهو من الخبائث [المحرمة، لقوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ اُ۬لْخَبَٰٓئِثَ}[الأعراف: ١٥٧]](٤)، وذلك لا معنى له؛ لأن القرآن لم يخاطب به العرب دون العجم، بل دون سائر الأمم، فلم يرجع فيه إلى استخباث العرب.
(١) في (أ، ج) ونسخة في (هـ): عن.
(٢) «القياس» ساقط من (أ، ج).
(٣) في (هـ): وهي.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، د، هـ).