باب القول في الأطعمة
  زالت(١) الإباحة، ألا ترى أن المريض أبيح له الإفطار في شهر رمضان، وكذلك المسافر، ومتى زال المرض والسفر زالت الإباحة؟ فكذلك الأكل من الميتة.
  وحكي عن الشافعي أنه على قولين: أحدهما ما ذهبنا إليه. والثاني: أنه لا يأكل منها إلا مقدار ما يمسك الرمق. وهذا بعيد؛ لأن الله ø أباح له ذلك ما دام الاضطرار قائماً، ومقدار ما يمسك الرمق لا يزيل الاضطرار؛ لأن الاقتصار عليه يسقط القوة ويمنع من التصرف وأداء الصلوات، ولا يزيل حرقة الجوع، ومتى كان كذلك كان مضطراً، والإباحة قائمة بنص الكتاب.
  وأما قول الله تعالى: {غَيْرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ}[البقرة: ١٧٢] فقد اختلف فيه، فذهب أبو حنيفة إلى أن المراد إلا أن يكون(٢) باغياً في أكلها للتلذذ ومجاوزة الحد الذي جعل له، وما أشبه ذلك من الاستحلال له، وهو الذي يقتضيه ظاهر قوله في الأحكام في غير موضع.
  وقال الشافعي: المراد به إلا أن يكون سفره سفر بغي وعدوان ومعصية.
  والأولى ما ذهبنا إليه من أنه ليس في الآية ذكر السفر ولا الحضر، والسفر والحضر في ذلك سواء، فكما أن الفاسق المقيم على فسقه إذا اضطر إلى أكل الميتة جاز أكله لها فكذلك المسافر وإن كان سفره فسقاً وبغياً؛ ولأن الله تعالى أباح ذلك للاضطرار، فأي حال حصل معها الاضطرار فيجب أن يجوز له ذلك. ولا خلاف أن الباغي في سفره له أن يتيمم عند عدم الماء أو عند تعذر استعماله للمرض، والعلة أن ذلك رخصة الاضطرار، وكل رخصة الاضطرار يجب أن يستوي فيه(٣) الباغي والعادل. وكذلك عندهم رخصة المسح على الخفين يستوي فيها البر والفاجر، فيلزمهم ما قلناه. والأصول تشهد بما قلناه؛ لأن
(١) في (هـ): وزالت.
(٢) في (ب، د): إلى أن المراد لا يكون. وفي (هـ): إلى أن المراد أن لا يكون.
(٣) في (ب، د، هـ): فيها.