كتاب الصيد والذبائح
  التحليل والتحريم في المآكل والمشارب والمناكح والملابس يستوي فيها البر والفاجر، فوجب(١) أن يكون كذلك لحم الميتة، ألا ترى أن نكاح الإماء لمن لا يجد الطول وخشي العنت عندنا وعند الشافعي رخصة؟ ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٞ لَّكُمْۖ}[النساء: ٢٥]، ومع ذلك يستوي فيها البر والفاجر؟
  فإن قيل: إذا كان قوله ø: {غَيْرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ}[البقرة: ١٧٢] محمولاً على ما قلتم فإنه يجري مجرى التكرير؛ لأن ذلك قد فهم بقوله: {فَمَنُ اُ۟ضْطُرَّ}[البقرة: ١٧٢].
  قيل له: ذلك عندنا أن هذا هو بيان حكم الاضطرار وتأكيد له؛ للأدلة التي بيناها.
  قال: وله أن يتزود منها إذا خشي ألا يجد غيرها(٢).
  وذلك مما لا خلاف فيه؛ لأنه احتياط للنفس وبقائها؛ ولأن أكلها إذا جاز لحفظ البقاء كان حملها أجوز.
  قال: والقول في لحم الخنزير كالقول في لحم الميتة(٣).
  وذلك أن الله عطف بالإباحة على لحم الخنزير كما عطف بها على الميتة، فكان حكمهما واحداً؛ ولأن المعنى الذي أباح أكل الميتة هي الضرورة، فإذا اضطر إلى أكل لحم الخنزير كان حكمه حكم الميتة. وقال الله تعالى: {وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَي اَ۬لتَّهْلُكَةِ}[البقرة: ١٩٤]، وترك أكل لحم الخنزير مع الضرورة إلقاء باليد إلى التهلكة، فكان حكمه حكم الميتة.
(١) في (ب، د، هـ): فيجب.
(٢) الأحكام (٢/ ٣١٦) والمنتخب (٢٢٧).
(٣) انظر الأحكام (٢/ ٣١١).