باب القول في الأطعمة
  فإن قيل: روي عن جابر: كنا نأكل لحوم الخيل على عهد رسول الله ÷(١). وروي نحوه عن أسماء بنت أبي بكر(٢).
  قيل له: يحتمل أن يكون ذلك قبل التحريم، أو فعلوا ذلك قبل علمهم بالتحريم.
  فإن قيل: روي عن جابر أنه قال: نهى رسول الله ÷ يوم خيبر عن أكل لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل(٣). وعنه قال: أطعمنا رسول الله ÷ لحوم الخيل، ونهانا عن لحوم الحمر(٤).
  قيل له: لا يمتنع أن يكون تحريم لحوم الخيل متأخراً عن تحريم لحوم الحمر، ونحن لا ننكر أنه كان مباحاً ثم نهي عنه. على أن خبر الإباحة وخبر الحظر إذا اجتمعا كان خبر الحظر أولى أن يؤخذ به.
  ويدل على ذلك حديث أبي هريرة أن رسول الله ÷ ذكر الخيل فقال: «هي لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر»، ولم يذكر الأكل، فبان أن الخيل أجمع لا يعدو الانتفاع بها هذه الثلاثة؛ لأن الألف واللام دليل الجنس، فكأنه ÷ قال: انتفاع الخيل أجمع مقصور على هذه الثلاثة.
  ويمكن أن يقاس على البغال والحمير بأنه بهيمة ذات حافر أهلية فيجب أن يحرم أكله، ألا ترى أن البهيمة التي ليست ذات حافر لا يحرم أكلها، كالإبل والبقر والغنم، وما كان منها ذات حافر وكانت وحشية جاز أكلها؟ فعلم أن التحريم في الحمير والبغال يتعلق بهذين الوصفين، وإذا وجد في الخيل وجب تحريمها. وأيضاً هي ذو أربع أهلي لا يجب أخذ الصدقة من عينها، فوجب أن
(١) أخرجه النسائي (٧/ ٢٠٢) والطحاوي (٤/ ٢١١).
(٢) أخرجه الطحاوي (٤/ ٢١١).
(٣) أخرجه مسلم (٣/ ١٥٤١).
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٥/ ١٢٠) والترمذي (٣/ ٣٠٧).