شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب السير

صفحة 493 - الجزء 6

  إقامة الجمعات، ومراعاة أحوال المساجد، وإقامة الحدود والتعزير، فلما كان ذلك كذلك قلنا: يجب على الإمام أن يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنه لا شيء من ذلك إلا والإمام مكلف به بحسب الإمكان والأقدار.

  وقلنا: يقيم حدود الله ø على كل من وجبت عليه لقول الله ø: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا}⁣[المائدة: ٤٠]، وقوله: {اَ۬لزَّانِيَةُ وَالزَّانِے فَاجْلِدُواْ}⁣[النور: ٢]، وقوله: {وَالذِينَ يَرْمُونَ اَ۬لْمُحْصَنَٰتِ ...} إلى قوله: {فَاجْلِدُوهُمْ}⁣[النور: ٤]، ولا خلاف أن هذه الآيات وما أشبهها من سائر الآيات خطاب للأئمة ومن يقوم مقامهم. على أن هذا الخطاب لا يخلو من أن يكون لكل واحد من الناس منفرداً كقوله ø: {وَأَقِيمُواْ اُ۬لصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ اُ۬لزَّكَوٰةَ}⁣[البقرة: ٤٢]، وقوله: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ اُ۬لشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُۖ}⁣[البقرة: ١٨٤]، أو يكون لكل من يقع عليه اسم الجمع، وأدناه ثلاثة، أو يكون لجميع الأمة، أو لخصائص منهم، ولا إشكال أن كل واحد من الناس ليس له أن ينفرد بإقامة الحدود، ولا كل ثلاثة منهم، واجتماع الجميع عليها متعذر، فثبت أنها لخصائص من الناس، وهم الأئمة ومن قام⁣(⁣١) مقامهم. على أن [إقامة] الحدود استيفاء الحق من غيره⁣(⁣٢)، وذلك ليس إلى العامة، فوجب أن يكون إلى الأئمة، دليله سائر الحقوق. على أن الحدود آلام، وليس لنا أن نؤلم أحداً إلا بالدلالة، ولا دليل على ذلك إلا للأئمة؛ إذ الآيات لا عموم لها على ما بيناه.

  وقلنا: يسوي في ذلك بين الشريف والدنيء والقريب والبعيد لأن الآيات لم تخص بعضاً من بعض، ولأن أحكام الشريعة تعم الجميع على حد واحد.

  وقلنا: يجب أن يشتد غضبه على من عصى الله ø ولو كان أباه أو ابنه أو غيرهما لقول الله ø: {وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٞ فِے دِينِ اِ۬للَّهِ}⁣[النور: ٢]،


(١) في (هـ): يقوم.

(٢) لفظ شرح القاضي زيد: استيفاء حق من الغير.