باب القول فيما يلزم الإمام للأمة ويلزمهم له
مسألة: [فيمن امتنع من بيعة إمام محق أو ثبط عنه وتحريم الفرار من الزحف]
  قال: ومن امتنع من بيعة إمام محق طرحت شهادته، وأزيلت عدالته، وحرم نصيبه من الفيء(١).
  وذلك أن بيعة الإمام واجبة متى طلبها؛ لأن فيها قوة المسلمين، وكبت الأعداء بها يتم؛ ولذلك وقعت البيعة لرسول الله ÷ على العقبة قبل الهجرة، ثم يوم الحديبية حين هم النبي ÷ بأهل مكة، وذلك مما لا خلاف فيه.
  فأما طرح الشهادة وإزالة العدالة فلأن من ترك البيعة فقد شق عصا المسلمين، وأتى بما يؤدي إلى توهين الإسلام وتعطيل الأحكام، وبدون ذلك تسقط العدالة، وأيضاً روي عن النبي ÷ أنه قال: «من سمع واعيتنا أهل البيت فلم يجبها كبه الله على منخريه في نار جهنم» رواه الطحاوي.
  فأما حرمانه الفيء فلما روي أن النبي ÷ كان إذا أمر رجلاً على سرية قال: «إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال، فإلى أيتهن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم: [ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم](٢) ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك أن عليهم ما على المهاجرين ولهم ما لهم، وإن هم أبوا فأخبرهم أنهم أعراب كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، فلا يكون لهم في الغنيمة والفيء نصيب إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا أن يدخلوا في الإسلام فاسألهم إعطاء الجزية، فإن فعلوا فاقبل منهم وكف عنهم، وإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم»(٣)، فدل ذلك على أن المسلمين إذا أخرجوا أنفسهم من الجهاد والنصرة في الإسلام لا يكون لهم حظ
(١) الأحكام (٢/ ٣٧٢).
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، د، هـ).
(٣) أخرجه مسلم (٣/ ١٣٥٧) والترمذي (٣/ ٢١٤).