شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في محاربة أهل الحرب

صفحة 519 - الجزء 6

  وعن حنظلة الكاتب قال: كنت مع رسول الله ÷، فمر بامرأة لها خلق وقد اجتمعوا عليها، فلما جاء أفرجوا، فقال: «ما كانت هذه تقاتل»، ثم أتبع رسول الله ÷ خالداً «ألا تقتل امرأة ولا عسيفاً»، فدلت هذه الأخبار على ما قلناه من أن الشيخ الكبير الذي لا يقاتل لا يجوز قتله؛ لأنه ÷ صرح بذلك في الحديث، ودل عليه بقوله في المرأة: «إن هذه لم تكن تقاتل».

  واشترطنا في الراهب أن يكون متخلياً لأنه إن لم يكن متخلياً وكان مع الناس كان كسائر الكفار الذين يقاتلون.

  وإنما سقط عنه القتل لأنه قد حبس نفسه في الصومعة وقطعها عن القتال، فصار بمنزلة الشيخ الكبير والوليد والمرأة.

  فإن قيل: الراهب مطيق للقتال.

  قيل له: والمرأة أيضاً مطيقة للقتال، لكن لما جرت العادة أنهن لا يقاتلن صرن بمنزلة من لا يطيق، [وكذلك الرهبان لما أجروا عادتهم بألا يقاتلوا صاروا بمنزلة من لا يطيق]⁣(⁣١) فإن لم يكن⁣(⁣٢) أجرى العادة بذلك ولم يكن تخلى قتل كغيره.

  فإن قيل: فقد روي أن دريد بن الصمة قتل يوم أوطاس وكان شيخاً كبيراً فانياً، فلم ينكره رسول الله ÷.

  قيل له: مشهور أن دريداً كان مالك بن عوف أخرجه يوم حنين للرأي، وليرجع إليه في تدبير الحرب، وعناء ذي الرأي في الحرب أشد وأقوى من عناء ذي البطش، ومن كان كذلك فإنه يقتل. وعلى هذا لو كانت المرأة ممن يقاتل أو ممن لها رأي فالقياس أنها تقتل؛ لأن من كان كذلك كان في حكم المقاتل، وبه قال عامة الفقهاء.

  وللشافعي في الشيخ الكبير والرهبان قولان: أحدهما: مثل قولنا، والثاني: أنهم يقتلون، وحكي عن المزني أن الأشبه جواز قتلهم، والحجة عليه قد مضت.


(١) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، د).

(٢) «لم يكن» ساقط من (ب، د).