باب القول في أهل دار الحرب يسلمون أو يسلم بعضهم أو يقبلون الذمة
  إشكال في أن العبد الحربي إذا أبق من أهل الحرب وصار إلى أهل الإسلام أنه يكون ملكاً لمن أحرزه من المسلمين، ولا يكون للحربي عليه سبيل؛ لخروجه عن يده ومصيره إلى أيدي المسلمين، فكذلك إذا أسلم وهاجر يجب أن يكون قد صار في يد نفسه أحرزها، فيجب أن يكون قد ملك نفسه، وإذا ملك العبد نفسه صار حراً؛ لخروجه عن يد الحربي وحصوله في يد نفسه في دار الإسلام؛ لأنه في منزلة العبد الحربي يحصل في يد المسلم في دار الإسلام في أنه يملكه. وأيضاً قد انقطعت عنه حقوق الحربي بمصيره إلى دار الإسلام، بمنزلة سائر أمواله إذا صارت في دار الإسلام بغير أمان، ألا ترى أنه يصير ملكاً لمن يحوزه من المسلمين؟ فإذا انقطعت عنه حقوقه ولم يخلف عليه حق غيره وجب أن يصير حراً؛ لأن معنى العتق ليس هو أكثر من أن يخرج عن ملك المولى ولا يخلفه مالك سواه، فإذا صار حراً وهو مسلم لم يجز أن يجري عليه الرق في دار الإسلام، فبقي(١) حراً، فإن جاء بعد ذلك صاحبه مسلماً لم يكن له عليه سبيل؛ لأن الحرية قد حصلت له، ألا ترى أنه لو هرب عبد كافر إلى دار الإسلام فغنمه مسلم ثم جاء صاحبه بعد ذلك مسلماً لم يكن له عليه سبيل؟ فما قلناه أولى؛ لأن الحرية أوكد من الملك.
  ويمكن أن يستدل على المسألة بقوله ø: {يَٰأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ اُ۬لْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ ...} إلى قوله: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَي اَ۬لْكُفَّارِۖ}[الممتحنة: ١٠]، وقوله: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۖ}[الممتحنة: ١٠]، ولم يشترط أن تكون كانت في الأصل حرة أو أمة، فوجب بحكم هذا الظاهر انقطاع حقوق الكفار عنهن، إماء كن أو حرائر في الأصل، فأوجب ذلك عتق الإماء منهن.
(١) في (هـ): فيبقى.