باب القول في التيمم
  فَٱغۡسِلُواْ وُجُوهَكُمۡ ...} الآية [المائدة: ٦]، فأوجب على من أراد القيام إلى الصلاة أن يغسل وجهه ويغسل ذراعيه ويمسح برأسه ويغسل قدميه، فإذا وجد من الماء ما يكفيه لبعض ذلك لزمه استعمال الماء فيه بحق الظاهر، ولم يكن عجزه عن تطهير غيره بمانع من تطهير ما قدر عليه.
  ويدل على ذلك أيضاً ما رواه أبو ذر عن النبي ÷ أنه قال: «الصعيد الطيب طهور من لم يجد الماء ولو إلى عشر حجج، فإذا وجدت الماء فأمسسه بشرتك» فأوجب أن يمس الماء إذا وجده بشره، ولم يشترط أن يكون الماء كافياً لجميع الأعضاء أو كافياً لبعضها.
  ومما يدل على ذلك أنه لا خلاف بيننا وبين أبي حنيفة أنه لو كان ببعض أعضاء وضوئه كسر أو جرح يخاف التلف أو الضرر من استعمال الماء فيه لم يسقط وجوب استعماله في باقي الأعضاء، فنحن نقيس عليه من وجد الماء لبعض أعضائه، فنقول: إن تعذر استعمال الماء في بعض الأعضاء لا يمنع وجوب استعماله في سائرها قياساً على ما ذكرنا بعلة أنه مخاطب بالوضوء.
  وليس لأحد أن ينكر الوصف الذي ذكرنا وجعلناه علة فيقول: إنه لا يجوز أن يكون مخاطباً بالوضوء إذا لم يجد من الماء ما يكفيه كملاً(١)؛ لأن مرادنا أنه مخاطب بشرط وجود الماء، وكذلك نقول في الجريح: إنه مخاطب بالوضوء بشرط التمكن من استعمال الماء، فقد بان أنه لا إشكال في حصول الوصف الذي جعلناه علة في الفرع والأصل جميعاً.
  فإن قاسوا ذلك على سائر الأبدال وقالوا: قد ثبت أن بالعجز عن الوضوء يجب العدول عنه إلى البدل.
  قيل له: هذا القياس لا يتم لكم؛ لأنا لسنا نسلم أن التيمم بدل من الوضوء بكماله، بل نقول: إن في حال تعذر الماء يسقط حكم تطهير الأعضاء كلها خلا
(١) في (ب) ونسخة في (أ): كاملاً.