باب القول في التيمم
  قبل الوقت فلا إشكال في وجوب الإعادة على قوله؛ لأنه لو وجد الماء في غير رحله لوجب ذلك، فكيف إذا وجده في رحله؟ وهذ قد مضى الكلام فيه.
  والذي يدل على ذلك: أنه لا خلاف في أن من تعذر عليه استعمال الماء حتى مضى الوقت لمرض أو إعواز أو لجهل مكانه وإن كان قريباً من رحله - أنه لا إعادة عليه، فكذلك الناسي للماء في رحله؛ بعلة أنه تعذر عليه استعمال الماء(١) إلى أن مضى الوقت.
  ويدل على ذلك: قول الله تعالى: {فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗ فَتَيَمَّمُواْ}[المائدة: ٦]، وهذا غير واجد للماء، فلم يلزمه إلا التيمم.
  وليس لأحد أن يقول: إنه واجد للماء؛ لأن من نسي الشيء ونسي مكانه لا يسمى في اللغة واجداً له؛ ألا ترى أنه لا يستحيل أن يقول القائل: طلبت كذا في منزلي فلم أجده إلا بعد مدة، وأن يقول: لم أعلم بكون كذا في منزلي حتى وجدته بعد مدة؟ فبان أن الإنسان لا يسمى واجداً للشيء مع كونه ناسياً له ولمكانه.
  ومن الشافعية من يقول في هذا الموضع: النسيان ليس بضد للوجود، وإنما ضده العدم، وضد النسيان هو الذكر. وهذا لا معنى له في هذا الموضع؛ لما بينا من حكم اللغة فيمن يسمى واجداً للشيء، ويؤيد ذلك ويكشفه أن الوجود ليس هو من الوجود المقابل للعدم، وإنما هو من الوجدان المقابل للافتقاد، والناسي للشيء ولمكانه يكون مفتقداً له ولا يكون واجداً له، فصح ما ذكرنا.
(١) في (ب، ج، د): تعذر استعمال الماء عليه.